بمجرد أن أطلق قائد قوات فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين تمرده من روستوف الروسية، بدأت مرحلة حاسمة في تاريخ روسيا التي وجدت نفسها في مواجهة خطر حرب داخلية وانشقاقات في صفوف مواطنيها ومسؤوليها لا سيما العسكريين منهم، وأصبح السؤال الذي يشغل بال كافة المتابعين، هو ما هي تبعات ما حدث على المشهد الداخلي الروسي وعلى نفوذ موسكو في الخارج؟، وهل أصبح بالفعل مستقبل بوتين على المحك، وأصبح هناك قوة عسكرية من الممكن أن تقضي على حكمه؟، وتلك السيناريوهات تبارى كافة الخبراء والمتخصصين في تحليل المشهد، وانعكس ذلك على أخبار وتقارير صحف العالم.
وما بين السيناريو الأكثر دموية من إندلاع حرب أهلية داخل روسيا، أو كون ما يحدث هو حرب نفسية، تقوم به موسكو عبر فيلم مفبرك تنوعت صحف العالم لتحليل المشهد، وهنا نرصد خريطة تلك السيناريوهات التي نشرتها الصحف المختلفة، ومع تسارع الأخبار نتبين أي تلك الرؤى كانت الأقرب لأرض الواقع.
الوضع الخطير والاتجاه لحرب أهلية .. السيناريو الأول
وهذا هو سبب وجود حالة الطوارئ في روسيا، وقد بدأت سلطات إنفاذ القانون تحقيقات في التمرد المسلح ضد بريغوزين، بالإضافة إلى ذلك، تم إعلان حالة الطوارئ لمكافحة الإرهاب في موسكو والمنطقة المحيطة بها، ويتوافق ذلك مع الأخبار الواردة عن دخول قوات من الشيشان لانقاذ الموقف، ومحاولة منع قوات فاجنر لدخول موسكو، وهو السيناريو الذي رصدته صحيفة فوكس الألمانية.
ووفقا لما جاؤ بالصحيفة الألمانية، فإنه لسوء الحظ ، فإن الوضع خطير للغاية، حيث يقول ألكسندر ليبمان في مقابلة مع FOCUS عبر الإنترنت: وهو أستاذ العلوم السياسية مع التركيز على أوروبا الشرقية وروسيا في Freie Universität Berlin، أن الخطاب الذي ألقاه رئيس الكرملين فلاديمير بوتين صباح يوم السبت كان لافتًا للنظر، وأوضح أن انتفاضة مرتزقة فاجنر كانت “طعنة في الظهر” وتهديدًا مميتًا لروسيا، علاوة على ذلك، لذلك دعا بوتين الجيش إلى التوحد، وكلمة واحدة جعلت خطاب رئيس الكرملين متفجرًا بشكل خاص، وذلك حين تحدث بوتين عن “الخيانة”، فقد وضع نفسه بوضوح أكثر من أي وقت مضى ضد بريجوزين ، الذي كان يعتبر في السابق صديقه المقرب.
نجاح الانقلاب .. السيناريو الثاني
وقد يكون أقربها للواقع وفق المعطيات المتوفرة خاصة بعد وصف بوتين لحركة فاغنر بـ”الخونة”، وتشبيهه ما يجري بـ”أحداث الحرب الأهلية الروسية بعد الحرب العالمية الأولى”، وبالتحديد عام 1917، وهو ما قد يعطى انطباعا بأن القوة أصبحت أقرب في يد فاجنر، وما يدعم هذا السيناريو هو أن تحرك قوات فاغنر السريع والناجح (حتى الآن) على الأرض بعد ساعات من اتهامها وزارة الدفاع بقصف قواتها في أوكرانيا وقتل عدد هائل من عناصر المجموعة، يوحي وفق مراقبين أن الأمر ليس وليد اللحظة، بل إنه خطة معقدة وضعت على مدار أيام، وفق مراقبين.
كما تظهر مقاطع فيديو تنتشر على منصات التواصل وموقع “تويتر”، أن قوات فاغنر المتحركة على الأرض تملك أنظمة مضادة للطائرات، ما يعكس استعدادا مسبقا لسيناريوهات تصدي السلطات الروسية لزحفها، والأكثر من ذلك، تقول تحليلات غربية وشهادات روسية تنشر عبر تطبيق تليغرام، إن سرعة تحرك أرتال فاغنر على الأرض والطرق السريعة يربك القوات النظامية ويعقد حتى عملية استهدافها بالطائرات أو الصواريخ، ونجاح هذه العملية من عدمه في أيدي الأجهزة الأمنية، خاصة الحرس الوطني، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة العين الإماراتية.
مفاوضات تخرج روسيا من المأزق … السيناريو الثالث
بحسب ما جاء بصحيفة فوكس الألمانية فإن هناك بالفعل من الأنباء ما يدعم إمكانية حدوث هذا السيناريو، حيث تحدثت الصحيفة عن وجود اتصالات بين قادة فاجنر، وبين عدد من قيادات الكرملينن حيث يبحث كلا الطرفين عن حل وسط لتلك الأزمة، والوصول إلى حلول ترضى جميع الأطراف، مع وجود ضمانات بعدم تكرار أخطاء الماضي، وعدم الإنزلاق لحرب أهلية قد تحقق أهداف أعداء روسيا على يد أبنائها.
وقد سؤدي هذا السيناريو، إلى قرار بالتراجع المؤقت لقوات فاجنر، وذلك دون التخلي عن القواعد الخاصة بها، وذلك تمهيدا لبحث خطوات أكثر عمقا في حل الأزمة، وإنهاء ازدواجية القوات المسلحة داخل روسيا، وذلك تجنبا لهذا الخلاف مرة أخرى، وخطورته على أمن روسيا الداخلي.
عفوية قد تتحول إلى فرص لبوتين … سيناريو رابع
فيما تحدثت بعض وسائل الإعلام عن أن تلك التحركات العسكرية قد تكون انطلقت عفوية، ونتيجة لظروف لم تكن مرتبة مسبقا، ولذلك من الممكن أن تكون هناك فرص قد يستغلها بوتين لصالحه، حيث من الممكن أن تستغل القيادة الروسية كفرصة مواتية إما لتقديم وزارة الدفاع للروس ككبش فداء في الأداء غير المتوقع للجيش في العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا، وإما لتصعيد واسع على الجبهة الأوكرانية كرد على الضغوط الداخلية.
وهذا السيناريو المدار وغير المعروف أهدافه (التصعيد أو التراجع عبر تقديم كبش فداء)، يشكل جوهر بعض التحليلات المبكرة لما يجري على الأرض في روسيا، خصوصا وأن هناك الكثير من الحسابات الداخلية التي تموج بها روسيا في تلك الظروف، وتلك الأحداث تكون فرصة مواتية لتنفيذ أي سيناريوهات داخلية لأي حاكم.
فاجنر تحركها الناتو تحقق أهداف الغرب.. سيناريو خامس
وهو سيناريو تم طرحه منذ فترة، وذلك عند حديث وسائل الإعلام الغربية عن وجود تواصل بين فاجنر وعناصر أوكرانية، في محاولة لاستغلال الخلافات المعلنة بين فاجنر وقادتها، وبين قيادة القوات الروسية، وهي الخلافات التي لم تتوقف الأنباء عنها منذ بداية العام، وخصوصا في الحرب التي كانت دائرة في مدينة باخموت الأوكرانية.
هل من الممكن أن تكون مسرحية؟ سيناريو أخير متداول
وبالطبع عند الحديث عن ملفات داخل روسيا،ـ وما سبق من سيناريوهات استخباراتية يتم تفعيلها مثل أشباه بوتين، فبالتأكيد هناك سيناريو متداول يذكره عدد من المراقبين والمتابعين العاديين، يفترض أن ما يحدث على الأرض سيناريو متفق عليه ومعد مسبقا، لإعادة ترتيب الوضع الداخلي وإقصاء مراكز قوة من المشهد، إذ تقول بعض الروايات إن جناح سان بطرسبرغ في هرم السلطة، بقيادة بوتين وزعيم فاجنر، يحاول إقصاء جناح موسكو بقيادة وزير الدفاع سيرغي شويغو، لكن هذه الرواية بدت ضعيفة للغاية بعد أن وجه الرئيس الروسي اتهامات الخيانة لبريغوجين، وانتقاد الأخير للرئاسة.
هذا السيناريو يبدو أكثر ضعفا وسط سيولة الأحداث على الأرض، وزحف فاجنر على موسكو، ورد السلطات الروسية على المجموعة بالطائرات والصواريخ، فضلا عن تفعيل خطة مكافحة الإرهاب لحماية العاصمة الروسية.