في تحوّل مهم يشير إلى بداية فصل جديد في تاريخ الصناعة المصرية، أعلنت شركة “ستيلانتس” العالمية، رابع أكبر مصنّع للسيارات في العالم، عن خطط طموحة لإنتاج 268 ألف سيارة داخل مصر، بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع. هذا الإعلان لم يكن مجرد بيان استثماري، بل يحمل بين سطوره إشارات قوية عن ثقة عالمية متزايدة في الإمكانيات المصرية وقدرتها على قيادة تحول صناعي نوعي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
مشروع غير مسبوق داخل مصانع الهيئة
تم الإعلان عن هذه الخطة خلال لقاء جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع، الفريق مهندس مختار عبد اللطيف، حيث استعرض الأخير تفاصيل المشروع الذي يُعد أحد أكبر الاستثمارات الصناعية في القطاع خلال السنوات الأخيرة.
ما يميز المشروع، بحسب عبد اللطيف، أن 240 ألف سيارة سيتم تصنيعها من طراز خاص تنتجه “ستيلانتس” حصريًا داخل مصر دون إنتاجه في أي من مصانعها الأخرى حول العالم.
هذا التفرد يُعزز من خصوصية السوق المصري داخل استراتيجيات كبرى الشركات العالمية، ويضع البلاد في موقع ريادي جديد على خريطة الإنتاج الدولي.
“سيتروين C4X” ضمن خطة التجميع
بجانب الطراز الحصري، ستقوم الهيئة بتجميع 28 ألف سيارة من طراز “سيتروين C4X” خلال السنوات الأربع المقبلة، بمعدل سنوي يبلغ 7 آلاف سيارة. ويأتي ذلك في إطار استراتيجية الدولة لتعميق الصناعة المحلية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، ورفع نسبة المكون المحلي.
توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا
لا يتوقف المشروع عند الإنتاج فحسب، بل يُعد ركيزة لنقل المعرفة التقنية والخبرات العالمية إلى الداخل المصري.
فكما أوضح الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، فإن التعاون مع كيان عالمي مثل “ستيلانتس” يُعد بمثابة جسر نحو نقل التكنولوجيا الحديثة والمعرفة الفنية، ما يساهم في تطوير كوادر بشرية ماهرة تدعم الاقتصاد الصناعي الوطني.
وأضاف الشامي أن هذه الشراكة ستُسهم في رفع نسبة المكون المحلي، وتقليل الاستيراد، وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية، وهو ما يمثل أولوية في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة
من أبرز ثمار هذه الخطوة، كما يشير الشامي، هو خلق آلاف من فرص العمل، سواء بشكل مباشر في قطاع التصنيع أو بشكل غير مباشر في مجالات مثل اللوجستيات وخدمات ما بعد البيع.
هذه الديناميكية من شأنها أن تُسهم بشكل فعّال في خفض معدلات البطالة وتحسين مستوى الدخول، مما يدعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
رسالة طمأنة للمستثمرين
الشراكة أيضًا تحمل رسالة واضحة للمستثمرين الأجانب مفادها أن بيئة الاستثمار في مصر أصبحت أكثر استقرارًا وجاذبية. ويؤكد الشامي أن استهداف التصدير من خطوط الإنتاج الجديدة سيساعد في زيادة حجم الصادرات وتقليص العجز في الميزان التجاري، وهو ما يعزز من قوة الاقتصاد الكلي.
أبعاد إقليمية تنافسية
التعاون مع “ستيلانتس” يمنح مصر ميزة استراتيجية، خاصة في ظل موقعها الجغرافي المميز واتفاقيات التجارة الحرة التي تتيح الوصول إلى عشرات الأسواق في أفريقيا والعالم العربي دون رسوم جمركية. كما أن وجود الهيئة العربية للتصنيع كشريك رئيسي يعكس التزام الدولة بتشجيع الشراكات مع القطاعين العام والخاص، في إطار رؤية مصر 2030 لتنمية وتحديث القطاع الصناعي.
شهادة دولية على تقدم مصر الصناعي
اختتم الدكتور الشامي تصريحاته بالتأكيد على أن خطوة “ستيلانتس” تمثل شهادة دولية على مدى تطور القطاع الصناعي في مصر. واعتبر أن هذه الخطوة تضع البلاد على خريطة الدول الصاعدة في تصنيع السيارات، وتدل بوضوح على أن مصر تسير في مسار ثابت نحو بناء اقتصاد متنوع ومستدام قادر على المنافسة في الأسواق العالمية.
في ظل المتغيرات العالمية والضغوط الاقتصادية، تبقى مثل هذه الشراكات الكبرى حجر الأساس لأي تحول حقيقي ومستدام في بنية الاقتصاد المصري. مشروع “ستيلانتس” ليس فقط توسعًا في إنتاج السيارات، بل هو استثمار في مستقبل الصناعة والتكنولوجيا والتعليم والعمل. ومع تسارع خطوات مصر نحو التوطين الصناعي والتحول الأخضر، يبدو أن الطريق أصبح ممهدًا لأن تتحول البلاد إلى مركز إقليمي وعالمي لصناعة السيارات خلال السنوات القليلة المقبلة.