واشنطن- استيقظت العاصمة الأميركية واشنطن أمس على أنباء الأحداث السريعة والمتلاحقة في روسيا التي بدأت بإعلان قائد مجموعة فاغنر التمرد على الجيش وتوجه أرتال من قواته إلى موسكو.
البداية كانت في الساعات الأولى من اليوم حيث توالت الأخبار العاجلة التي غمرت وسائل الإعلام بعد سيطرة قوات فاغنر على المنشآت العسكرية في مدينة روستوف جنوبي روسيا وإعلان قائد المجموعة لاحقا أن قواته في طريقها إلى العاصمة موسكو.
سمح فارق التوقيت (7 ساعات) بين موسكو وواشنطن بمتابعة أميركية دقيقة لأحداث الأمس حتى لما بعد انتصاف الليل في موسكو.
ومثلما فوجئت واشنطن بأنباء تمرد قوات فاغنر وتحركاتها، فإنها فوجئت أيضا بالتوصل إلى اتفاق لحل الأزمة بعد صفقة توسط فيها رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، المعروف بقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن بريغوجين نفسه، وبمقتضاها يسقط الكرملين جميع تهم “التمرد” ضد بريغوجين ومقاتليه، على أن ينتقل بريغوجين إلى بيلاروسيا.
كما تضمنت الصفقة العفو عن مقاتلي فاغنر الذين شاركوا في التمرد، بينما سيسمح للبقية بأن يصبحوا مقاتلين متعاقدين مع الجيش الروسي.
الصمت والحديث مع الحلفاء
بدأت الأحداث خلال قضاء الرئيس الأميركي جو بايدن إجازته الأسبوعية بمنتجع كامب ديفيد الواقع في ولاية ميرلاند، لذا لم تعقد الإدارة الأميركية اجتماع “إدارة الأزمة” بالبيت الأبيض كما جرت التقاليد في مواجهة أحداث مماثلة من الطراز الثقيل.
ولعدم إدراك المسؤولين الأميركيين ما يحدث بالكامل، تم اتخاذ قرار أن تلتزم كل الجهات الأميركية الرسمية في واشنطن وسفاراتها في العالم الصمت. ولم ترد إدارة بايدن أن تبدو سعيدة لما يجري؟ أو أن تبدو داعمة لطرف على آخر.
وقالت مصادر إعلامية إن الرئيس جو بايدن بحث الأزمة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والمستشار الألماني أولاف شولتز، في وقت أكد فيه البيت الأبيض أنه يجري باستمرار إطلاع بايدن ونائبته كامالا هاريس على آخر التطورات في الساحة الروسية من خلال فريق الأمن القومي.
كما تحدث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى نظرائه في عدد من الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وبحلول منتصف اليوم، ألغى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي رحلة كانت مقررة إلى إسرائيل والأردن كان من المفترض أن تبدأ أمس السبت، وهو ما أعطى إشارة واضحة على حجم القلق العسكري الأميركي مما يجري بموسكو، وعدم اتضاح حقيقة الموقف بصورة كاملة للبيت الأبيض.
وتحدث ميلي إلى بعض نظرائه في الدول الأوروبية الحليفة، ومنهم نظيراه الأوكراني والفرنسي.
وفي الدقائق التي أعقبت الاتفاق بين الحكومة الروسية وقوات فاغنر، قال مسؤولون أميركيون إن تقييمهم هو أن أحداث السبت من المرجح أن تُبعد انتباه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أوكرانيا لبعض الوقت، وهو قد يمنح الجانب الأوكراني ميزة في الأيام والأسابيع المقبلة.
مصير بوتين والسلاح النووي
على مدار ساعات الأمس، كان السؤال الأكثر إلحاحا في واشنطن يدور حول “مصير الرئيس بوتين”، وإذا ما كانت سيطرته على الأجهزة العسكرية الروسية، خاصة تلك القوات التي تشرف على الأسلحة النووية الروسية، قد ضعفت، أو في طريقها إلى الانهيار.
وبدت إدارة جو بايدن كمن لا يمتلك أي إجابات شافية لأي من أسئلة الأمس المهمة.
وبدا الأمر لواشنطن كأن الرئيس الروسي يواجه أكبر تحد سياسي في حياته. وكان بوتين قد وصف تحرك قوات فاغنر نحو موسكو بأنه “تمرد مسلح” و”خيانة”، ووضعت موسكو في حالة تأهب أمني مشدد.
وطبقا لتقارير إعلامية، فقد خلصت التقييمات الأولية للاستخبارات الأميركية إلى أنه لم يكن هناك أي تغيير أو تحركات تتعلق بالقوات النووية الروسية، وأنه لا مجموعة فاغنر ولا الجيش الروسي قد أجريا تغييرات كبيرة على موقفهما ومواقعهما داخل الأراضي الأوكرانية بعد الأحداث في روسيا.
وبعد إعلان التوصل إلى صفقة التسوية، وخروج قائد قوات فاغنر للقول إنه “لتجنب إراقة الدماء، فقد أمر رجاله بالالتفاف من طريقهم إلى موسكو والعودة لمعسكراتهم”، بقيت تساؤلات وارتباك واشنطن دون تغيير، خاصة مع إدراك خبراء الشأن الروسي عُمق خلافات قوات فاغنر مع وزارة الدفاع الروسية حول إستراتيجية الإمدادات في أوكرانيا.
وعبر بعض المعلقين عن استمرار جهل واشنطن بديناميكيات وتفاعلات القوى الرئيسية داخل روسيا، مما لم يسمح لها بتصور سيناريو الأمس على الإطلاق.
كما لم يستوعب الخبراء الأميركيون أنباء تحرك قوات فاغنر للسيطرة على القواعد العسكرية في مدينة روستوف، ثم إطلاق قائدها بريغوجين بعد إكمال ما أسماها “بمسيرة العدالة” المسلحة إلى موسكو، بهدف “وقف شر” وزارة الدفاع، ووصولهم إلى مسافة 200 كيلومتر من العاصمة قبل التوقف عقب التوصل للصفقة المعلنة.
وانتهى يوم واشنطن الطويل والعصيب بعدم استيعاب خبرائها لأنباء الصفقة، مع وجود أسئلة أكثر من الإجابات: هل تمثل الصفقة المعلنة نهاية فعلية لهذه الأزمة داخل روسيا سواء تم اعتبارها تحركا عسكريا أو تمردا أو محاولة تمرد؟ وما مصير قوات فاغنر في روسيا وأوكرانيا؟ وفي مناطق وجودها في أفريقيا وأميركا اللاتينية؟ وكيف ستكون ارتدادات كل ما جرى على مسار الحرب في أوكرانيا؟ والسؤال الأهم كيف سيرد الرئيس بوتين على ذلك كله، والذي يمثل أكبر تحد لسيطرته المطلقة على أركان النظام الروسي خاصة في جوانبه الأمنية والعسكرية والاستخباراتية؟