مخزن ثروات إثيوبيا.. تيجراي الجنة التي شعبها مسفوك دمائه ويئن من الجوع وجرائم الحكومة المركزية بحقه مستمرة
كل بيت يحكي قصة الخسارة والخوف والأمل، وهنا تجلس هرايا جبريس، أم لسبعة أطفال أجبرت على الفرار من مسقط رأسها حميرة، وعيناها، التي كانت مليئة بالبهجة، تنقلان الآن تعبًا مصحوبًا بالظلم وعدم اليقين، ومع ذلك فهي تتمسك بالأمل في أن تعود إلى المنزل ذات يوم، وتلتقي بأطفالها، فهي مجرد واحدة من آلاف القصص التي تتكشف داخل مخيمات النزوح في إقليم تيجراي في إثيوبيا، حيث المعركة الآن هي الصراع الآن من أجل البقاء.
وتعيش هرايا في ملجأ أبي عادي في تيجراي منذ بدء الحرب في عام 2020، وفق تقرير نشرته صحيفة thereporterethiopia الإثيوبية، وتقول عن قصتها: “لا أعرف ماذا سأفعل لأولادي إذا لم أتمكن من العودة إلى المنزل، ولا يزال أربعة من أطفالها مسجونين في حميرة”، وتعكس قصة هرايا قصص العديد من النساء والأطفال الذين نزحوا بسبب صراع تيجراي، وقد فر الآلاف من منازلهم بسبب الحرب على الأراضي بين شعب منطقة تيجري في مواجهة حكومة أبي أحمد التي دعمت إقليم أمهرة للسطوة على أراضي وكنوز الإقليم، وهي نزاعات احتدمت لسنوات لكنها اندلعت في خضم قتال عنيف.
مجرمة في الحرب وفاشلة في السلام
وعندما اندلعت الحرب في عام 2020، اندلع النزاع على الأرض، فبمساعدة من الحكومة الفيدرالية، دخلت قوات أمهرة غرب تيجري، واستولت على الأراضي. حتى بعد اتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في نوفمبر 2020 بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي الشعبية، استمرت المطالبات بالأراضي، وبعد ارتكاب الحكومة لجرائمها بالإقليم، فشل اتفاق السلام في حل المشكلة، وفشلت الحكومة الإثيوبية لعب دور الوسيط لإيجاد حل سلمي للنزاع.
وعلى الرغم من عدم اليقين المستمر، يرفض الطرفان التنازل عن مطالبهما. بينما قال مسؤولون في أمهرة إنهم لن يسلموا المناطق المتنازع عليها ، فيما يأمل المسؤولون في إدارة تيجراي المؤقتة (TIA) في حل سلمي بمساعدة الحكومة الفيدرالية، وقد تأسست الإدارة كجزء من اتفاق السلام بين إثيوبيا وتيجراي في 23 مارس 2023، بموافقة من مكتب رئيس الوزراء، ومع ذلك، فقد ثبت أن تشكيل إدارة عاملة أمر صعب، وذلك بحسب ما جاء بتقرير الحكومة الإثيوبية.
الجرائم مازالت مستمرة
ويبدو أن معاناة أهل الإقليم مازالت مستمرة، حيث تقول كنديا جبريهيوت (دكتوراه)، رئيسة مجموعة التنمية الاجتماعية في الإدارة المؤقتة، إن مناطق كبيرة من تيجراي لا تزال تحت سيطرة قوى أخرى، والناس في هذه المواقع يتعرضون لفظائع وعمليات تهجير مختلفة، لذلك حث المسؤول الحكومة على حل النزاع الحدودي في أقرب وقت ممكن وفقا لمعاهدة بريتوريا للسلام والدستور الإثيوبي.
وتنص اتفاقية بريتوريا بوضوح على أنه يجب إعادة حدود تيجراي إلى وضعها قبل الحرب واحترامها بما يتماشى مع الدستور، وقال إن أجزاء كبيرة من الإقليم لا تزال خارج سيطرة الإدارة المؤقتة، مضيفا أن القوات التي تسيطر على هذه المناطق تواصل ارتكاب فظائع متعددة، والفظائع التي لحقت بأراضي تيجراي المتنازع عليها فاقت التوقعات بكثير، وذكرت تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بالتفصيل الجرائم التي تشكل “جرائم ضد الإنسانية”.
50 ألف نازح في مخيم واحد
ووفقا لما قاله للصحيفة الإثيوبية، فقد شاهد تاديسي يلما، وهو نازح داخلي من حميرة يعيش الآن في مخيم أبي عادي، الآلاف من ضحايا الأعمال الوحشية مما تسبب في أزمة إنسانية، ولذلك يحث إثيوبيا على السماح للناس بالعودة إلى ديارهم، ويقول تاديسي: “لدينا 50000 نازح في أبي عدي وريديا تم نقلهم من هوميرا بين عامي 2020 و 2021″، ودعا الحكومة إلى السماح للنازحين بالعودة إلى ديارهم وحل النزاع المتجذر في سياسات الأراضي ولكنه متشابك مع قضايا اقتصادية وسياسية واستراتيجية أوسع بين تيجراي وأمهرة.
وفي عام 2022، عبّر محققون في الأمم المتحدة عن اعتقادهم بأن الحكومة الإثيوبية تقف وراء جرائم ضد الإنسانية ترتكب في تيجراي، وحذّروا من أن تجدد القتال في الإقليم يزيد خطر وقوع “مزيد من الجرائم الوحشية”، ففي تقريرها الأول، ذكرت لجنة خبراء حقوق الإنسان المعنية بإثيوبيا أنها عثرت على أدلة تفيد بوقوع انتهاكات في البلاد ارتكبتها جميع الأطراف منذ اندلع القتال في إقليم تيغراي شمال البلاد في نوفمبر 2020، وقالت اللجنة التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة العام الماضي وتضم 3 خبراء حقوقيين مستقلين إن لديها “أسسا منطقية للاعتقاد بأن هذه الانتهاكات ترقى في عدة مناسبات إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
تيجراي .. الجوهرة السوداء
وينبع صراع تيجراي والأمهرة من قضايا تتعلق بالسلطة الاقتصادية والسياسية والفدرالية، حيث تظهر الدراسات الأهمية الاقتصادية للأقاليم، وتشير التقارير إلى الأهمية الزراعية لتيجراي الغربية والجنوبية، فالمحاصيل بها تمثل 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتيجراي، ويعتمد السمسم – تصدير إثيوبيا – على موارد تيجراي الغربية، و300 ألف مزارع، ولكن المسؤولين والسياسيين في أمهرة في المنطقة يزعمون أن الأراضي ملك لهم ، قائلين إن الخسارة ستقوض المنطقة بشكل خطير.
وتتمتع هذه الأراضي بميزة إستراتيجية، فهى مفاتيح المملكة ، وبداية الوصول إلى إريتريا والسودان وطرق التجارة خارجها، إنهم ينتجون ثروة من الحقول الخصبة التي دمرها صدام الجيوش، والآن البلدات في حالة خراب والنازحين، فموقع حدود تيجراي الغربية يجعلها قطعة جائزة وجوهرة سوداء، قادرة على التأثير في جميع أنحاء المنطقة، لذكل ليس من المستغرب أن تراقب إريتريا الموقف عن كثب أكثر من أي قوى خارجية أخرى ، وتتذكر المعارك التي تحققت بشق الأنفس على نفس الأرض.
طُلب مواصلة المساعدة الغذائية التي توقفت
ورغم هذا الكنز داخل الإقليم، إلا أن معاناة أهلها من الجوع مستمر، ويوقل رجال الدين في تيجراي إن وفاة المواطنين مستمرة بسبب الجوع، ودعا القادة الدينيون منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية والمؤسسات الإنسانية الأخرى إلى إدراك الأزمة المستمرة في تيجراي والعمل على إنقاذ أرواح المواطنين ومواصلة الإمدادات الغذائية المتقطعة.
كما ذكر الزعماء الدينيون أنه يجب تقديم من نهبوا المساعدات الإنسانية إلى العدالة، ويقول أبون تيسفاسلاس مادهان ، أسقف أديغرات ، الكنيسة الكاثوليكية، إنه بسبب الدمار الهائل الذي سببته الحرب وأسباب أخرى، يحتاج الكثير من الناس إلى المساعدة، ولكن لا تزال المساعدات الإنسانية التي تم تقديمها للشعب غير كافية، ومما زاد الطين بلة، هو انقطاع الإمدادات الإنسانية، والذي أدى إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية القائمة.
مساعدات العالم تتوقف بعد كشف الفساد
“لم تُترك أرض للحرث، وتوقفت المعونة الغذائية، فتبع ذلك المجاعة”، هكذا تعرب أحد المسئولين بمؤسسة Zinash Worku للوقاية من الكوارث عن أسفها، وقال إنه بالرغم من ذلك لا تقدم السلطات الإقليمية والفيدرالية أي مساعدة، ففي أوائل يونيو، أوقفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرنامج الأغذية العالمي تسليم المساعدات الإثيوبية بعد التحقيق في السرقة “المنظمة” على جميع المستويات الحكومية والجيش، وزعم التقرير تورط قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، رغم أن الجيش نفى هذا الادعاء لكنه قال إنه مستعد لاتخاذ إجراءات ضد أي عضو متورط.
وفقًا للتقرير، تم طحن الحبوب المصادرة المخصصة لتيغراي وتحويلها إلى دقيق يتم تصديره إلى كينيا والصومال من أجل الربح، وبالنسبة للمديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين، هناك شيء واحد مهم قبل كل شيء: تقديم المساعدة للملايين الذين هم في أمس الحاجة إليها، وتقول إن تحويل الطعام من المعدة الجائعة “أمر غير مقبول على الإطلاق”، لكنها ترحب بتعهد إثيوبيا بالتحقيق في الأمر.