يبدو أن النافخ في الكير واحد ، فأصبح هوس الترند من يوميات كل فيسبوكي ، حتى صرنا نتتبع أي ترند ونضغط على المشاركات طالما أن الأمر استهوى العقل والقلب ، ويا حبذا لو كان الأمر متعلقا بالناحية الدينية.
بينما أقلب صفحات الفيس بوك ، إذ مر أمامي فيديو لمدة ثواني معدودة ، للإعلامية لميس الحديدي ، تتساءل فيه وتقول : ليه منعملش الحج بالميتافيرس أو ليه منعملش الحج أون لاين بتطبيق الزوم وغيره؟
من واقع عملي ، في مهنة الصحافة ، فأنا لا أكتفي بالمعروض أمامي ، وبالتالي يتوجب علي البحث عن أصل الفيديو لمشاهدة المقطع كاملا ، وهو ما تم بالفعل ، حيث وجدت أن الإعلامية لميس الحديدي ، لم تدع إلى أداء الحج بالميتافيرس أو عبر الأون لاين كما روج للمقطع المتربصون والذين يبعثون رسالات مجهولة للجمهور لتضليلهم ، وكل ما في الأمر أنها طرحت سؤالا ، يحتاج إلى إجابة ، والسؤال قد يكون وارد على لسان طفل يوجهه لوالديه ، أو شاب مراهق يعيش في عصر التكنولوجيا وخطر على باله السؤال عن الأمر.
في الحقيقة ، تداول رواد مواقع التواصل الإجتماعي ، لهذا المقطع ، أثار انتباهي ، لأمرين : الأمر الأول أن ما زال الجمهور يأخذ بالظاهر أمامه بدون البحث والتحري عن سياق الموضوع المثار أو البحث في تفاصيله ، فيأخذون العنوان ويتداولونه فيما بينهم.
أما الأمر الثاني ، وهو من الأهمية بمكان ، أن الكثير منهم يرى أن هذا السؤال لا يصح أصلا طرحه بين الناس ، لا سيما على شاشات الفضائيات ، ويظنون أن هذا قدحا في ثوابت الدين.
وهنا لابد من مزيد من التوضيح والبيان ، فأقول إن الإسلام دين يحث على التفكر والتدبر والتأمل ، بل ويحث على السؤال ، والسؤال هنا لا يكون للعامة ، بل يكون لأهل العلم والتخصص ، فيقول الله عزوجل (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) .
ومعلوم أن القرآن الكريم ، وردت فيه آيات فيها تساؤلات وبلغ عددها 129 مرة في سور القرآن ، وهذا الرقم ليس بالقليل أبدا ، والشاهد في هذا أن الإسلام لم ولن يمنع السؤال مهما كانت حدته.
وهنا نتساءل: ما الذي يضير الإسلام من سؤال كالذي طرحته الإعلامية لميس الحديدي ؟ هل ينتقص هذا السؤال من ديننا الحنيف ؟ للأسف ديننا مكتمل ولم يترك لنا شيئا ، ويتوجب علينا كمسلمين أن نحسن الفهم ونتقن الإجابة ونستعد لأي تساؤلات ترد إلينا ونوجه العلماء بالرد عليها.
المشكلة يا سادة تكمن في أمرين : شخص أساء عرض السؤال ، والأخرى شخص لم يعرف الإجابة أصلا، فالأولى نوجه فيها السائل بحسن العرض والبحث عن المعلومة والمعرفة وليس للبحث عن الجدال والتعنت والعناد ، والثانية نوجه السؤال لأهل التخصص أصحاب العلم من المؤسسات الرسمية في الدولة والمنوط بها نشر العلم والدعوة.
وأقول لمن ينكرون السؤال في الدين أو بالأخص في المسكوت عنه: السؤال في الدين ليس حراما ولا ممنوع ، فمنع السؤال تعطيل للعقل والتفكر ، واعلموا أنكم أمام أجيال تنشأ من الآن على العصور التكنولوجية الحديثة والميتافيرس والذكاء الاصطناعي ، فلو سرتم على هذا النهج ستواجهون الأخطر في المستقبل.
وأخيرا أذكركم أن من قبلكم سألوا عن خالق الكون وصفات الله وبداية الإنسان وسبب خلقه وعن مشاهد يوم القيامة ، وعن التفرقة في الميراث بين الذكر والأنثى وعن قصة أهل الكهف وذو القرنين ، كما سئل الأنبياء العديد من الأسئلة سواء من الصحابة أو من غير المسلمين وأجابوا عليها ، ونقلتها السنة النبوية.