بعد ليلة ساخنة من الاحتجاجات شهدتها أحياء عديدة في ولاية صفاقس تنديدا بمقتل تونسي على يد مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، يسود هدوء مشوب بالحذر أرجاء المدينة الواقعة جنوب العاصمة تونس.
يأتي ذلك بينما لا تزال التحذيرات متواصلة من تصاعد المواجهات وتواتر التهديدات بين الطرفين على نحو من شأنه أن يغذي وتيرة العنف ويفاقم الأزمة الحالية.
وكانت السلطات التونسية أعلنت الثلاثاء مقتل تونسي من مواليد 1981، طعنا بآلة حادّة مساء الاثنين بمنطقة ساقية الدائر، وذلك بعد تجدد أعمال شغب وعنف بين مواطنين ومهاجرين أفارقة من دول جنوب الصحراء.
وفجّر مقتل المواطن الذي يدعى نزار العمري حالة من الاحتقان غير المسبوق في المدينة التي تعد أكبر مدن الجنوب التونسي، وعلى إثرها قام محتجون غاضبون من أهالي المدينة بملاحقة مهاجرين غير شرعيين، كما قطع آخرون الطريق الرابط بين محافظتي صفاقس والمهدية.
توتر واحتجاج
وبدت في بعض مقاطع الفيديو التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حالة من التوتر في عدد من أحياء صفاقس، حيث أظهرت المقاطع توعّد شباب ملثمين بطرد المهاجرين الأفارقة من مدينتهم، مع تأكيدهم أن غياب الدولة وبطء التدخّل في حل المسألة يجعل الوضع يسير نحو مزيد من التدهور.
كذلك انتشرت مقاطع أخرى تظهر في المقابل تجمهر شبان أفارقة وتحصنهم بهراوات وأسلحة، وتوجيههم تهديدات لأهالي المدينة.
وتشكل مدينة صفاقس الساحلية الواقعة في وسط تونس نقطة انطلاق لعدد كبير من المهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا، لا سيما إيطاليا.
ويحتج سكانها بانتظام على وجود المهاجرين غير النظاميين في مدينتهم مطالبين برحيلهم.
وتقع غالبا اشتباكات سواء كلامية أو جسدية في الأحياء الشعبية من المدينة حيث يقيم المهاجرون.
خطاب الكراهية
وفي الوقت الذي يتصاعد فيه خطاب الكراهية بين الطرفين، تتواصل نداءات الاستغاثة لإنقاذ المدينة، حيث انتشرت وسوم (هاشتاغ) تدعو للوقوف مع الأهالي وحماية الأرواح والممتلكات.
في المقابل، تعالت الأصوات المحذّرة من انتهاك حقوق المهاجرين الفارّين من بلدانهم، حيث انتشرت مقاطع للفيديو -لم يُتأكد من صحتها- تظهر احتجاز عشرات من المهاجرين في ظروف غير إنسانية وتكدسيهم على الأرض في انتظار تسليمهم إلى السلطات على ما يبدو.
كما أظهرت مقاطع أخرى إجبار مجموعة أخرى من المهاجرين تحت تهديد سلاح أبيض على الهتاف باسم تونس، بينما يسمع في الخلفية صوت مواطن يعرب عن سعادته لنجاحه في هذه المهمة وقد قام باستخدام ألفاظ نابية.
واعتبر تونسيون أن ما يحدث لأفارقة جنوب الصحراء في صفاقس جريمة ضد الإنسانية.
وفي رده على هذه التطورات، اتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد ما سماه شبكات إجرامية بالمسؤولية عن عمليات الهجرة غير النظامية إلى مدينة صفاقس.
جاء ذلك خلال لقاء عقده سعيد مع وزير الداخلية كمال الفقي، وعدد من القيادات الأمنية في مقر الوزارة بالعاصمة تونس مساء أمس الثلاثاء، حسب بيان نشرته الرئاسة التونسية عبر حسابها على فيسبوك.
وذكرت الرئاسة أن اللقاء جاء لتناول الوضع إثر العملية الإجرامية التي وقعت مساء الاثنين في صفاقس.
موقف الحكومة التونسية
وقال سعيد إن تونس دولة لا تقبل بأن يقيم أحد على أرضها إلا وفق قوانينها كما لا تقبل بأن تكون منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الأفريقية، ولا تقبل كذلك أن تكون حارسة إلا لحدودها.
وأضاف “هناك شبكات إجرامية على الدولة التونسية تفكيكها وهناك قرائن عديدة دالة كلها على أن هذا الوضع غير طبيعي”.
وتابع سعيد “كيف يقطع هؤلاء الوافدون على تونس آلاف الكيلومترات ويتجهون إلى مدينة بعينها (صفاقس) أو إلى حيّ بعينه؟ فهل يعرفون هذه المدن أو الأحياء وهم في بلدانهم؟ وهل هؤلاء مهاجرون أو مهجّرون من قبل جماعات إجرامية تتاجر ببؤسهم وبأعضائهم وتستهدف قبل هذا وذاك السلم الأهلي في تونس”.
كما لم يستبعد عدد من التونسيين وجود أياد خارجية وراء ما يحدث ووجود تخطيط لتجميع عدد أكبر من المهاجرين الأفارقة هناك، مجددين التنبيه على خطورة الوضع.
تجاوزات وشغب
ويشكو السكان من تجاوزات وأعمال شغب وفوضى يقوم بها بعض المهاجرين في المدينة، بينما يقول مهاجرون أفارقة إنهم يتعرضون لمضايقات عنصرية من بعض السكان.
واحتج مئات من سكان صفاقس الشهر الماضي على وجود آلاف المهاجرين مطالبين السلطات بترحيلهم، وقالوا إنهم يرفضون تحويل صفاقس إلى مدينة لاجئين.
وعلى مدى الأشهر الماضية، لقي مئات حتفهم في حوادث غرق قوارب مهاجرين قبالة سواحل صفاقس التي تواجه أزمة هجرة غير مسبوقة، وتراكمت جثث المهاجرين في المستشفيات بينما يعثر الصيادون على جثث للمهاجرين الغرقى.
وسجلت زيادة كبيرة في عدد المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من تونس هذا العام بعد حملة من قبل تونس على المهاجرين من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الذين يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني.