مراسلو الجزيرة نت
12/7/2023–|آخر تحديث: 12/7/202308:57 AM (بتوقيت مكة المكرمة)
غزة- كان الستيني نعيم الشريف يرافق زوجة نجله حسن في رحلة علاجها من مرض السرطان، عندما اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي على معبر بيت حانون “إيرز” شمالي قطاع غزة، وزجت به أسيرا في “سجن نفحة”، بينما عادت المرأة المريضة إلى منزلها محملة بالحزن وأسيرة لمرضها الخبيث.
والشريف (64 عاما) واحد من 7 فلسطينيين اعتقلتهم قوات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري، في أثناء تنقلهم من خلال معبر إيرز المخصص لسفر شريحة محدودة من قطاع غزة، جُلها من المرضى، وأعداد معلومة من العمال والتجار، وقلة من المواطنين العاديين، بعد منحهم تصاريح إسرائيلية خاصة تتيح وصولهم إلى وجهاتهم في الضفة الغربية أو الداخل (إسرائيل).
ووثّقت هيئات تعنى بالأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي اعتقال 45 فلسطينيا منذ مطلع العام الجاري، من مرضى وتجار وصيادين وشبان، في أثناء محاولتهم اجتياز السياج الأمني بحثا عن فرص عمل.
وحسب وزارة شؤون الأسرى والمحررين في غزة، فإن من بين المعتقلين 7 فلسطينيين اعتقلوا على معبر “إيرز”، وهو المعبر الوحيد المخصص للأفراد على حدود غزة، ويخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
اعتقال بسبب “تحويل رصيد”
وقع اختيار أسرة الشريف على كبيرها نعيم لمرافقة زوجة ابنه “أم علي” في رحلة علاجها من مرض السرطان الذي تم تشخيصه قبل بضعة شهور، بعدما رفضت سلطات الاحتلال منح زوجها حسن تصريحا للسفر ومرافقتها للمستشفى الاستشاري في رام الله لتلقي العلاج غير المتوفر في المستشفيات والمؤسسات الصحية بغزة المحاصرة.
ويقول حسن (38 عاما) -في حديثه للجزيرة نت- إن والده عمل سابقا في إسرائيل لنحو 30 عاما، ولم يسبق له أن تعرض للاعتقال، وقد حصل على تصريح إسرائيلي للسفر، ورافق زوجة ابنه مرتين لعلاجها قبل أن يتم اعتقاله في مارس/آذار الماضي حين جرى اعتقاله وتحويله إلى سجن نفحة، والتحقيق معه وعرضه على المحكمة.
وتتهم إسرائيل الستيني الشريف بتحويل رصيد مكالمات لجهاز هاتف محمول لقريب للأسرة معتقل في سجون الاحتلال. ويقول حسن إن الحادثة تعود لعام 2005، “عندما طلب ابن خالي -وهو من محافظة قلقيلية بالضفة الغربية- المعتقل لدى الاحتلال بطاقة مكالمات كرصيد لهاتف محمول يستخدمه الأسرى للاطمئنان على ذويهم”.
ويضطر المعتقلون في سجون الاحتلال إلى استخدام هواتف مهربة للتواصل مع أسرهم وأبنائهم، للتغلب على القيود الإسرائيلية المفروضة على الزيارات.
خديعة إسرائيلية
في يوم الاعتقال، بينما كان الشريف رفقة “أم علي” بانتظار دورهما للمرور، فاجأه ضابط مخابرات إسرائيلي باصطحابه للتحقيق، ولنحو 9 ساعات ظلت الكنّة المريضة محتجزة في صالة المعبر، يتملكها الخوف والقلق الممزوجان بآلام المرض، حتى تسلمت بطاقة هويتها وسُمح لها بمواصلة طريقها إلى المستشفى وحدها، حسبما نقل عنها زوجها حسن.
وقال الابن “رفضت زوجتي السفر بمفردها، وقررت العودة إلى المنزل في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وكانت الساعة وقتها قد تجاوزت منتصف الليل (..) وعاشت لفترة في وضع نفسي صعب جدا، ضاعف من آلام مرضها الجسدي”.
ويصنف حسن الشريف اعتقال أن والده خديعة إسرائيلية، ويقول إن “منح أي إنسان تصريح للسفر، خاصة لو كان لغرض إنساني مثل مرافقة مريضة سرطان، يعني أنه في مأمن من الاعتقال أو التعرض لأذى، غير أن والدي فقد الأمان وفقد حريته باعتقاله وهو في الـ60 من عمره”.
سياسة غير إنسانية ولا أخلاقية
وتستخدم وزارة شؤون الأسرى والمحررين وهيئات حقوقية أهلية وصف “مصيدة” للتعبير عن سياسة الاعتقال التي تمارسها سلطات الاحتلال على معبر “إيرز”، والتي تطول غالبا حالات إنسانية.
وقال المتحدث باسم الوزارة منتصر الناعوق -في حديث للجزيرة نت- إن الاحتلال يوظف هذا المعبر كمصيدة اعتقال، لاستدراج المستهدفين عبر منحهم التصاريح، التي تعد “موافقات أمنية”، ومن ثم يعتقلهم ويخضعهم للتحقيق لدى جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك)، بهدف الابتزاز وانتزاع الاعترافات والحصول على معلومات.
وهذه السياسة -برأي الناعوق- “غير إنسانية وغير أخلاقية”، وتزداد بشاعتها باستهدافها المرضى ومرافقيهم، إضافة إلى عمال وتجار يتنقلون بحثا عن لقمة العيش.
وبدوره، يتفق رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني المحامي صلاح عبد العاطي، مع سابقيه في ما ذهبا إليه، وأكد أن تحويل الاحتلال المعابر الإنسانية لـ”فخاخ ومصائد للاعتقال” يمثل انتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومعايير حقوق الإنسان.
وقال عبد العاطي للجزيرة نت إن إسرائيل تستغل حاجات الناس للسفر بغية العلاج أو العمل، لابتزازهم ومساومتهم للحصول على معلومات، ومعاقبة الرافضين بالسجن.
وعن اعتقال الشريف، أكد عبد العاطي أنه لم يقم بجريمة يعاقب عليها القانون سوى عند الاحتلال، الذي لا يتوقف عن صناعة محددات وقوانين بمواصفات عنصرية، واضعا ما تمارسه إسرائيل على معبر “إيرز” في سياق “العقوبات المتعددة الأشكال التي تفرضها على غزة”.