كل يوم في فرنسا يموت شخصان في المتوسط في العمل، ويكون هناك العديد من الجرحى، بعضهم جراحهم خطيرة، إنها مذبحة غير مرئية، نادرًا ما تكون في قلب النقاشات السياسية أو الإعلامية، لكنها تحمل الكثير من التفاوتات المستمرة في عالم العمل.
بهذا الملخص قدم موقع ميديا بارت Mediapart الفرنسي لملف أعده عن معاناة عمال المنشآت، وبالذات تلك التي تهيئ لألعاب باريس الأولمبية 2024.
ولتسليط الضوء على هذه المسألة، خصص الموقع أحد تقاريره لعامل يبلغ من العمر 51 عاما توفي في منتصف يونيو/حزيران في حوض أوسترليتز في باريس، حيث كان يعمل في مشروع يهدف إلى تنظيف نهر السين لدورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، وهو ما دعا نقابيا لإدانة سلسلة من انتهاكات السلامة، ساعيا إلى أن يكون هناك اعتراف بـ”أول وفاة في موقع أولمبياد باريس”.
وقال موقع ميديابارت (Mediapart) الفرنسي إن العامل اسمه عمارا ديوماسي، وقد توفي في العمل يوم 16 يونيو/حزيران وهو على أهبة مغادرة الموقع على طول نهر السين، مقابل محطة أوسترليتز، عندما صدمته شاحنة كانت تتحرك نحو الوراء، وهو بنّاء وقائد فريق، لديه 5 أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 أشهر و9 سنوات.
وأوضح الموقع في –تقرير بقلم سيسيل أوتفوي- أن البنّاء الذي يعيش في سين سان دوني، كان يعمل بموجب عقد دائم لعدة سنوات في شركة تابعة لشركة الأعمال الحضرية.
ويقول إلياس شواي، ممثل المركزية النقابية سي جي تي (CGT) عن شركة لاسادا التابعة لشركة فيوليا التي تتبع لها الشاحنة، إن العامل “مات تحت معهد الطب الشرعي مباشرة، حيث كان يسير على حارة المرور في أقصى اليسار وظهره إلى الشاحنة التي سحقته”، ويضيف النقابي أن “موقع البناء كان ضيقا للغاية بحيث لا يمكن الانعطاف”.
خروق أمنية عديدة
في موقع البناء هذا -كما يوضح التقرير- تم تكليف 3 شركات من قبل مجلس مدينة باريس ببناء حوض ضخم لتخزين مياه الأمطار بدلا من تركها تتدفق مختلطة بمياه الصرف الصحي في نهر السين، وذلك بهدف جعل النهر أنظف لأنه سوف يصبح مفتوحا للسباحة، حيث سيفتح أولا للرياضيين المشاركين في ألعاب صيف 2024، وبعد مرور عام من ذلك تفتح 3 مواقع لعامة الناس، وقد قالت رئيسة بلدية باريس آن إيدالغو إن “الوعد بسين قابل للسباحة يجري تنفيذه على قدم وساق وهو يسير إلى الأمام”، وذلك عندما زارت الموقع قبل 3 أيام من وفاة عمارا ديوماسي.
وقال النقابي إلياس شواي الذي قام بمسح الموقع صعودا وهبوطا بعد المأساة، إن هناك “العديد من الخروقات الأمنية” أولها “والأكثر خطورة” أن الشاحنة لم تكن مزودة بصوت يصاحب الرجوع للخلف، “كما أنه لم يكن هناك أيضًا رجل مرور لتوجيه السيارة وضمان السلامة حولها”، ومع ازدحام السيارات قرب موقع البناء لم يسمع العامل المسكين أي صوت ينذره قبل الصدمة”.
وعندما أعيد فتح الموقع بعد أسبوعين تقريبا من إغلاقه بسبب المأساة، بدت فيه لافتات وعلامات وحواجز حماية، لم تكن موجودة قبل الحادث كما يقول إلياس شواي، متأسفا لأنهم “عملوا على هذا النحو لمدة عام ونصف من دون لافتات، حيث كان الأداء فقط هو المهم”.
لا إشارة إلى عمارا
وأشار موقع ميديا بارت إلى أن مجلس مدينة باريس صاحب المشروع لم يرد على أسئلته عن هذه الخروقات الأمنية، واكتفى بإرسال بيان صحفي جاء فيه أن “تعليق موقع البناء قد أتاح تسهيل إجراءات التحقيق، للتأكد من الإجراءات الوقائية في الصحة والسلامة في العمل وتكييفها إذا لزم الأمر، بالتعاون مع الهيئات التمثيلية للهيئة والموظفين وتفتيش العمل”.
وحسب البيان الصحفي، “استؤنف العمل بموقع البناء بعد اجتماع للهيئة التنسيقية… وبعد المصادقة على الإجراءات الوقائية من قبل مفتشية العمل”، وأوضح البيان أن “التحقيق القضائي مازال جاريا والمدينة تقدم كل مساعدتها حتى يتم تسليط الضوء على ملابسات هذا الحادث”، غير أن إلياس غاضب لأن البيان لم يشر إلى عمارا “أول وفاة على موقع للأولمبياد” بأدنى كلمة، لأنه لا أحد يريد أن يقولها، “سياسيا، لا يريد مجلس مدينة باريس أن يقول ذلك” كما يقول إلياس.
وأوضح ميديا بارت أن موقع البناء في حوض أوسترليتز ليس، بشكل رسمي على الأقل، واحدا من 64 موقع عمل لدورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، كما يشير برنارد تيبولت الذي يشارك في رئاسة لجنة مراقبة الميثاق الاجتماعي للألعاب الأولمبية، وهو ميثاق يحتوي 16 التزاما بيئيا واقتصاديا واجتماعيا، ولكن موقع حوض أوسترليتز غير ملتزم به حتى لو كان مرتبطا بالأولمبياد.
وخلص التقرير إلى أن موقع أوسترليتز عزز بشكل كبير الضوابط والوقاية في مواقع الألعاب الأولمبية، ولكن إلياس شواي يصر على أن “أقل ما يمكن أن نفعله هو أن يذكر اسم عمارا في الألعاب الأولمبية.. نرجو تكريم ذكراه”.