لم تتفق صحيفتا “ليبراسيون” (Liberation) و”لوموند” (Le Monde) الفرنسيتان في تقويمهما لزيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هذه الأيام، إذ رأت الأولى أنها تلطيخ لسمعة البلاد، في حين رأت فيها الأخرى انتصارا للسياسة الواقعية يبرره ثقل الهند الاقتصادي المتزايد ودورها الرئيسي ضد الصين على رقعة الشطرنج الجيوسياسية.
وكتب شومونا سينها عبر ليبراسيون رسالة مفتوحة قاسية اللهجة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يؤنبه فيها على دعوة مودي كضيف شرف في احتفالات 14 يوليو/تموز، ويذكره بأن هذا المدعو رئيس دولة يقود سياسة هندوسية متطرفة وقاسية وفاشية ضد جميع الأقليات في الهند، وهو يستهزئ بحقوق الإنسان ومسؤول عن مذابح المسلمين والصحفيين وقادة المعارضة والنشطاء، وقد حوّل الديمقراطية الهندية إلى مهزلة مروعة، وهو يقودها نحو ثيوقراطية.
سينها: مودي يقود سياسة هندوسية متطرفة وفاشية ضد جميع الأقليات في الهند، وهو مسؤول عن مذابح المسلمين والصحفيين وقادة المعارضة والنشطاء، وقد حوّل الديمقراطية الهندية إلى مهزلة مروعة، وهو يقودها نحو ثيوقراطية
فشلت في أداء واجبك
ونبه الكاتب الصحفي -الذي اختار فرنسا وطنا له لمحبته لها كما يقول- إلى أن مودي عضو مدى الحياة في مليشيا “آر إس إس” (RSS) الفاشية التي اغتال عضوها ناتورام جودسي المهاتما غاندي، متأسفا أن ماكرون دعاه في يوم يحتفل فيه الفرنسيون بقيم الحرية والمساواة والأخوة رغم أن الصحفيين والباحثين وعلماء السياسة والكتاب والمفكرين الفرنسيين والهنود كشفوا الجرائم السياسية لمودي وحزبه السياسي ومليشياته وأنصاره.
وتساءل الكاتب: هل الرئيس ماكرون بعد هذه الدعوة يعتبر حقا رئيسا لفرنسا؟ مؤكدا له “لقد فشلت بشكل خطير في أداء واجبك”، وسأله: هل تفهم الديمقراطية حقا وتحترمها؟ موضحا أن هذا الازدراء والسخرية والإنكار والقسوة لا يليق إلا بالحكام المستبدين، مختتما بأن تكريمه رئيس الدولة الهندوسي الاستبدادي ليس مجرد مجاملة دبلوماسية بحتة، مخاطبا ماكرون “أنت الذي وصفته بأنه رجل صالح مثل أخيك”، فأنتما تلهمان بعضكما.
أما لوموند فقالت في افتتاحيتها إن التكريمين اللذين خصصا لرئيس الوزراء الهندي في فرنسا والولايات المتحدة تفسرهما جاذبيتان لبلاده، هما ثقلها الاقتصادي المتزايد ودورها الرئيسي ضد الصين على رقعة الشطرنج الجيوسياسية، وهو بالتالي انتصار للسياسة الواقعية.
شراكة طويلة
ووصفت الصحيفة بعض لحظات الاحتفال، وأشارت إلى أنه يخلد 25 عاما من الشراكة الإستراتيجية بين باريس ونيودلهي توجت باتفاقية أولية بشأن بيع 26 طائرة من طراز رافال في نسختها البحرية لحاملات الطائرات، و3 غواصات من فئة سكوربيون، بالإضافة إلى 36 غواصة كلاسيكية من طراز “رافال” و6 غواصات تم بيعها بالفعل لنيودلهي.
ونبهت لوموند إلى أن هذه هي المعاملة المخصصة لرئيس الحكومة الهندية من قبل شركائه الغربيين، لأن أولويتهم هي موازنة صعود القوة الصينية، بحيث تكون نيودلهي الحليف الأول، مذكرة بأن الهند -باعتبارها من أتباع “الاصطفاف المتعدد”- تسترشد أولا بمصلحتها الخاصة، وقد تجنبت الوقوف إلى جانب الدول الغربية في الحرب في أوكرانيا، لكنها تترأس مجموعة العشرين هذا العام، وهي خامس أكبر اقتصاد في العالم.
وخلصت الصحيفة إلى أن عدم استقبال مودي وتجاهل ما يمثله في مثل هذا السياق سيكونان خطأ وإن لم يكن جعله ضيف شرف في العيد الوطني ضروريا حسب رأيها، مشيرة إلى إسكات الانتقادات الموجهة إلى الانجراف الاستبدادي لمودي والقومية المتفاقمة لحزبه، متسائلة: هل يمكن استمرار مودي في حكم بلده على المدى الطويل من خلال تأليب الأغلبية الهندوسية ضد الأقليات المسلمة والمسيحية؟ موضحة أنه من الضروري أحيانا الاعتماد على قوى ليست بلا لوم، لإحباط طموحات الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا والصين.