من دون ضجيج أطلقت أوكرانيا المرحلة الأولى من هجومها المضاد بهدف استعادة الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسية، وحتى الآن لم تعرض كييف تفاصيل بشأن سير العمليات، ولكنها تزعم أن جنودها يحرزون تقدما في الميدان.
وبعيدا عن الأنظار تخوض القوات الأوكرانية المجهزة بأسلحة غربية جديدة قتالا ضد الجيش الروسي الذي أمضى شهورا في حفر الخنادق.
وفي ما يلي نظرة على ما يجري في الميدان الأوكراني بعد 16 شهرا من الحرب:
ما هي تكتيكات أوكرانيا؟
لقد اشتد القتال في نقاط متعددة على خط المواجهة البالغ طوله 1500 كيلومتر، وتحرز القوات الأوكرانية تقدما منتظما على الأطراف الشمالية والجنوبية من مدينة باخموت المدمرة التي تحتلها روسيا منذ مايو/أيار الماضي.
كذلك تحتدم المعارك في الجبهة الجنوبية من زاباروجيا، حيث تحرز القوات الأوكرانية مكاسب محدودة أمام التحصينات الروسية الهائلة.
وأعلنت هانا ميلر نائبة وزير الدفاع الأوكراني أن قواتها دمرت 6 مخازن ذخيرة للقوات الروسية خلال الـ24 ساعة الماضية.
وهذا التصريح يلمح إلى نوعية التكتيكات التي تتبعها القوات الأوكرانية في هجومها المضاد ضد الروس.
وأكدت ميلر أن القوات الأوكرانية توجه ضربات مؤلمة ومؤثرة ودقيقة وتسبب نزيفا في صفوف المحتل الذي سيعاني عاجلا أو آجلا من نقص قاتل في الذخيرة والوقود، حسب تعبيرها.
ويقول ضابط بريطاني كبير إن الهدف الأول للقوات الأوكرانية هو “تجويع” الوحدات الروسية على صعيد الإمدادات والتعزيزات من خلال مهاجمة المراكز اللوجستية ومراكز القيادة في الخلف.
ومن ضمن الأسلحة التي تستخدمها أوكرانيا لتحقيق هذا الهدف صواريخ “ستورم شادو” (Storm Shadow) المقدمة من بريطانيا.
وتحاول أوكرانيا أيضا دفع الجيش الروسي إلى التمدد على طول الجبهات بحيث يخوض معارك في نقاط متعددة، وفقا لرئيس الأركان البريطاني الأدميرال توني رادكين.
وقال رادكين إن الهجوم الأوكراني الكاسح سيبدأ عندما تنهار نقطة من التحصينات الروسية، وعبر هذا “الخرق ” سيتدفق الجنود الأوكرانيون إلى الأمام، حسب توقعه.
وأضاف أمام لجنة في البرلمان البريطاني “بإمكاني أن أسميها إستراتيجية التجويع والتمديد والضرب”.
وقد لاحظ رادكين أن القوات الأوكرانية تحتاج تغطية جوية لعملياتها.
وكانت أوكرانيا حصلت على تعهدات من حلفائها الغربيين بتزويدها بمقاتلات “إف-16” (F-16)، ولكن ليس متوقعا أن تتسلمها قبل العام المقبل.
وتطالب أوكرانيا أيضا بصواريخ بعيدة المدى وبالمزيد من الذخيرة.
وهذا الأسبوع، أرسلت الولايات المتحدة قنابل عنقودية إلى أوكرانيا، وقال الرئيس جو بايدن إنه يأمل أن تساعد هذه القنابل على وقف الدبابات الروسية.
ما هي التكتيكات الروسية؟
يستخدم الجيش الروسي أعدادا كبيرة من الألغام المضادة للدبابات، لإبطاء حركة المدرعات التي تستخدمها القوات الأوكرانية في هجومها المضاد بالجبهة الجنوبية.
والتكتيك الروسي الحالي يضع المهاجمين الأوكرانيين المكشوفين تحت رحمة مسيّرات روسيا ومروحياتها ومدفعيتها.
لكن القوات الروسية تواجه العديد من المصاعب حتى لو كانت متحصنة خلف مساحات كبيرة من الخنادق والمتاريس التي يصل عمقها في بعض الأماكن إلى أكثر من 20 كيلومترا.
وقد أدى الاستنزاف في ساحة المعركة إلى تقليص الثقل العسكري الروسي، وكشفت الحرب عن عدم الكفاءة والافتقار إلى المبادرة في صفوف الجنود الروس، إلى جانب ضعف التنسيق، وفق رئيس الأركان البريطاني.
ويقول رئيس الأركان البريطاني إن روسيا خسرت نصف ثقلها العسكري منذ بدء حربها على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
ويضيف أن المصانع الروسية غير قادرة على أن توفر حاجة الجبهات من الذخيرة.
وعلى سبيل المثال، فإن روسيا استخدمت 10 ملايين قذيفة في حربها بأوكرانيا، وفي المقابل لم تصنع خلال الفترة نفسها سوى مليون قذيفة، طبقا لرادكين.
كذلك، فإن روسيا فقدت في الحرب ألفي دبابة، ولم تصنع خلال هذه الفترة سوى 200، على حد قوله.
ويقال إن القوات الروسية تشن عمليات هجومية في منطقة غابات كريمينا، ولكنها لا تحقق سوى مكاسب ضئيلة.
ما القادم؟
إن الهجوم الأوكراني المضاد سيكون طويلا جدا ودمويا جدا، وفقا لرئيس الأركان الأميركي مارك ميلي.
ويقول الجنود الأوكرانيون إن القصف الروسي الثقيل لمواقعهم يأخذهم على حين غرة ويبطئ تقدمهم.
وفي الميادين المكشوفة في زاباروجيا بالخصوص يصعب الاختفاء عن الأنظار، مما يجعل القادة الأوكرانيين لا يغامرون سوى بالدفع بالقليل من الجنود لتقليل حجم الخسائر البشرية.
وقد اعترف الرئيس الأوكراني الأسبوع الماضي بأن الهجوم المضاد لا يتقدم بسرعة.
والهجوم نفسه تأخر عن الوقت المفترض، وعلى ما يبدو فإن ذلك يعود لأن كييف كانت تنتظر استلام شحنات أسلحة من الدول الغربية وعودة جنودها الذين كانوا يتلقون التدريبات في هذه الدول، ونتيجة لهذا التأخير فإن الهجوم بدأ في الصيف بدل الربيع.
وعلى المخططين العسكريين استحضار أن الشتاء الأوكراني يجلب معه ظروفا موحلة تعيق سير القوات والمدرعات.
وعنما يسوء الطقس فإن الأطراف المتحاربة سيتعين عليها جرد الخسائر والاستعداد لجولة أخرى من حرب الاستنزاف خلال الشتاء القادم.
ويقول المحللون الغربيون إن الهجوم المضاد وإن كان الغرض منه ليس إنهاء الحرب فإنه قد يلعب دورا حاسما في تعزيز مركز كييف التفاوضي عندما يجلس الطرفان إلى طاولة الحوار.
وتريد أوكرانيا أيضا من خلال الهجوم المضاد أن تبرهن للغرب على أن مساعداته لم تذهب سدى.