استضافت روما المؤتمر الدولي للهجرة غير الشرعية، أمس الأحد، حيث وُضع ملف الهجرة المؤجل بين القارتين الأوروبية والإفريقية جديا على طاولة البحث في إيطاليا.
مكافحة الهجرة غير الشرعية
وشارك في المؤتمر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأيضاً مؤتمر “لحظة الأمم المتحدة لتقييم نظم الغذاء 2023″، والذي تستضيفه منظمة الفاو اليوم الاثنين.
وخلال الجلسة الأولى للمؤتمر، ألقى رئيس الوزراء كلمة تقدم في مستهلها بالشكر لجورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، على دعوة مصر للمشاركة في هذا المؤتمر، لافتاً إلى أن مصر وإيطاليا تجمعهما علاقات صداقة تاريخية تسعى مصر دوماً لتعزيزها في كافة المجالات.
وأضاف رئيس الوزراء أن هذا المؤتمر يمثلُ فرصة هامة لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، والوصول لفهم أعمق لأسبابها الجذرية، واقتراح حلول للتعامل معها، معتبراً أن الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية التي تعرض لها العالم مؤخراً أثبتت أنه لا سبيل للتغلب عليها وعلى تداعياتها دون تعزيز التعاون والتضامن الدوليين، ولافتاً إلى أن ارتفاع تدفقات الهجرة غير الشرعية يمثل أحد أكبر التداعيات التي يتطلب التعامل معها عقد شراكات مستدامة تحقق المنفعة المشتركة.
وأكد مدبولي أن قضايا الهجرة تحتل مرتبة متقدمة على أجندة مصر الوطنية، حيثُ تستضيف مصر أكثر من 9 ملايين مهاجر ولاجئ، بنسبة تتجاوز 8% من تعداد السكان، يستفيدون على قدم المساواة مع المصريين، من الخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة في مجالات التعليم والصحة، كما أن حرية الحركة والتنقل مكفولة لهم، مما أدى إلى زيادة أعداد الوافدين إلى مصر بنسبة قدرها 50% عن عام 2018.
وأكد أن مصر استقبلت مؤخراً أيضاً ما يقرب من 40% من إجمالي الفارين من أعمال العنف في السودان، مشدداً على أن مصر لم تتوان عن تقديم الدعم وتوفير الخدمات الأساسية للوافدين على الرغم من التحديات الاقتصادية المتزايدة، ومحدودية الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي، والذي لا يتناسب مع حجم الأعباء التي تتحملها مصر.
وأضاف رئيس الوزراء أنه بالنظر إلى وضع مصر كدولة مصدر ومعبر ومقصد، فإن الدولة المصرية تتبنى نهجا شاملا في التعامل مع ظاهرة الهجرة بشكل عام، من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الطاردة، ورفع مستوى الوعي بمخاطر الهجرة غير الشرعية، وتوفير العمالة المدربة لسوق العمل، وخلق مسارات للهجرة النظامية، بالتوازي مع إحكام السيطرة على الحدود، ومكافحة شبكات تهريب المهاجرين والاتجار في البشر، وتطوير قانون وطني ولجنة وطنية تنسيقية لمكافحة ومنع هاتين الجريمتين ومحاسبة مرتكبيها وحماية ضحاياها، وهو ما أسفر عن عدم إبحار أي مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين من السواحل المصرية منذ سبتمبر 2016.
اقتلاع ظاهرة من جذورها
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن أية مقاربة للتعامل بشكل فعال مع قضايا الهجرة يجب أن تراعي اعتبارات تبدأ بتبني نهج شامل للتعامل مع الأسباب الجذرية لظاهرة الهجرة غير الشرعية، يراعي الأبعاد الأمنية والتنموية لها، من خلال دعم جهود تحقيق الاستقرار السياسي في المناطق التي تشهد نزاعات، ودفع جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز التعاون في مجال إدارة الحدود.
وتابع: هذا إضافة إلى احترام مبدأ التقاسم المنصف للأعباء والمسؤوليات لتعزيز صمود المجتمعات المستضيفة، واستحداث أدوات تمويلية جديدة قادرة على التجاوب بشكل سريع وفعال وتوفير التمويل للدول التي تعاني من تحديات اقتصادية لضمان استدامة تقديم الخدمات فيها.
ولفت مدبولي إلى أن تلك الاعتبارات تتضمن كذلك تكثيف التنسيق في مجالات ضبط الحدود ومكافحة تهريب المهاجرين، من خلال دعم القدرات العملياتية وتوفير المعدات، وتعزيز التعاون الدولي لسد الثغرات التي تستغلها شبكات تهريب المهاجرين، فضلاً عن فتح مسارات نظامية للمهاجرين وتوفير حياة كريمة لهم وتعزيز إدماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها والقضاء على أية ممارسات تمييزية ضدهم والاعتراف بإسهامهم في تحقيق التنمية في دول المقصد.
وفي ختام كلمته، أشار رئيس الوزراء إلى أن اجتماع اليوم يأتي بعد وقوع أحد أسوأ حوادث غرق مهاجرين في البحر المتوسط الذي حصد حياة ما يقرب من ألفيّ مهاجر، معتبراً أن الأرواح التي تُزهَق تحتم ضرورة التحرك معا بشكل فوري وعاجل لاقتلاع ظاهرة الهجرة غير الشرعية من جذورها.
الأول من نوعه في المنطقة
تجدر الإشارة إلى أن رئيسة وزراء إيطاليا قد أشادت قبيل كلمة مصر، بالعلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا، واصفة مصر بأنها دولة محورية في الإقليم.
كما أثنت على علاقات العمل المتميزة التي تجمعها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ لقائهما في مصر على هامش مؤتمر المناخ في شرم الشيخ، وما شهدته العلاقات الثنائية من تطور منذ ذلك الحين.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور أيمن زهري خبير السكان ودراسات الهجرة، إن أسباب الهجرة غير الشرعية هي الظروف الاقتصادية التي زادت في إفريقيا بالفترة الماضية، وكذلك النزاعات المنتشرة وآخرها النزاع السوداني وارتفاع البطالة بين الشباب، والتي تصل إلى 30%.
وأضاف زهري ـ في تصريحات خاصه له، أن إيطاليا هي بوابة المهاجرين، والذين تضاعف أعدادهم هذا العام إلى 80 ألف مهاجر وصلوا للأراضي الأوروبية، مشيرًا إلى أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ملوني، تريد أن تحقق نجاحًا بهذا الملف كما وعدت في حملتها الانتخابية، ومؤتمر بأمس بادرة لجمعه بين قادة أوروبا وإفريقيا لبحث هذه المشكلة.
ولفت إلى أن الهجرة شيء طبيعي، لكن المطلوب تنظيمها وجعل الهجرة غير الشرعية شرعية، مؤكدًا أن الاتجار بالبشر مختلف عن الهجرة غير الشرعية، فالأخيرة هي تسهيل تنقل الأشخاص، أما الاتجار بالبشر فهو التحكم في مسيرتهم.
وأضاف ان مؤتمر روما لوقف الهجرة غير الشرعية يعد الأول من نوعه في المنطقة، الذي يضم العديد من الأطراف المعنية بملف الهجرة.
9 مليون لاجئ في مصر
ويذكر أن تم الإعلان في ختام مؤتمر بالعاصمة الإيطالية، الأحد، عن إطلاق ما سُميت عملية روما لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، واتفق المشاركون على خطوات لمواجهة تدفق الأعداد المتزايدة من المهاجرين باتجاه أوروبا.
وقال البيان الختامي لمؤتمر روما للهجرة والتنمية، الذي عقد ليوم واحد برعاية الحكومة الإيطالية ومشاركة دول مطلة على البحر المتوسط وأخرى من الشرق الأوسط وأفريقيا، إن المشاركين توافقوا على توفير التمويل اللازم لتنمية دول انطلاق طالبي اللجوء وكذلك دول العبور.
كما اتفقت الأطراف المشاركة في المؤتمر على تضييق الخناق على تهريب البشر وتحسين التعاون بين الدول الأوروبية والأفريقية في مجالات مثل الطاقة المتجددة.
والجدير بالذكر، وخلال مؤتمر روما أمس الأحد ضربت مصر أروع الأمثلة في الإنسانية، في التعاطي مع قضية اللاجئين والتي تم الاعلان عن استضافة مصر أكثر من 9 مليون لاجئ.
ووفقًا لتقرير منظمة الهجرة العالمية، الصادر عن الفترة ما بين أكتوبر 2021 ويونيو 2022، فإن مصر تستضيف أكثر من 9 ملايين ينتمون لـ 133 دولة، وبما يمثل 8.7% من إجمالي سكان البلاد (يتخطى 100 مليون نسمة)، ولا يتضمن هذا الإحصاء السودانيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى الفارين من الحرب التي اندلعت في السودان منذ 15 أبريل الماضي.
وأرجعت المنظمة الدولية زيادة عدد اللاجئين في مصر إلى ما سمته “الخطاب الإيجابي” تجاههم، وقالت: “الزيادة الملحوظة في عدد المهاجرين منذ عام 2019، هي بسبب عدم الاستقرار الذي طال أمده في الدول المجاورة، وقد ينظر إلى “الخطاب الإيجابي” للحكومة المصرية تجاه المهاجرين على أنه عامل جذب لآخرين.
وصنف التقرير الدولي الجنسيات المقيمة في مصر وأعدادهم وهي كالتالي: “4 ملايين سوداني، و1.5 مليون سوري، ومليون يمني، ومليون ليبي، وتشكل هذه الجنسيات الأربع 80% من المهاجرين المقيمين حاليا في البلاد”، مشيرة إلى أن “أكثر من ثلث هؤلاء المهاجرين يعملون في وظائف وشركات مستقرة”.
وأكدت المنظمة الدولية أن “هناك 5.5 مليون لاجئ يعيشون بمصر منذ أكثر من 10 سنوات، في حين أن 6% منهم عاشوا واندمجوا لأكثر من 15 سنة بمن فيهم الأجيال الثانية.”
وتأكيدا على الدور الإيجابي لمصر في التعامل مع اللاجئين، خاصة الفارين من السودان، وجه فيليبو جراندى، المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، الشكر لمصر وشعبها على استقبال آلاف الوافدين إلى أراضيها من جنسيات مختلفة.
والجدير بالذكر، تتحمل الدولة المصرية أعباء هائلة في استضافة الأعداد الهائلة التي وصلت إلى 9 ملايين مهاجر ولاجئ، خاصة في ضوء تداعيات الأزمة الراهنة في السودان وذلك في ظل التزامات مصر منذ بداية الأزمة بفتح الحدود أمام الفارين من الصراع اتساقاً مع التزاماتها الدولية والإقليمية، بجانب أن مصر استقبلت حتى الآن 121 ألف مواطن من السودان، أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن.