يوافق الأربعاء المقبل ذكرى ما يعرف بـ”خراب الهيكل” في إسرائيل، ذلك الخراب الذي أرجع حكماؤهم سببه إلى اقتتال طائفي، في حين تشهد إسرائيل اليوم استقطابا حادا بسبب تصويت الكنيست على قانون “الحد من المعقولية”، وسط تحذيرات من انهيار الدولة بسبب الخلافات غير المسبوقة.
وفي وقت وصلت فيه الأزمة في إسرائيل ذروتها بسبب التعديلات القضائية التي تتبناها حكومة بنيامين نتنياهو، كان متظاهرون مختلفون في التوجهات والمواقف في مواجهة بعضهم البعض بمحطة لمترو الأنفاق بالقدس، تحملهم مدارج السلم الكهربائي في نهاية الرحلة باتجاه البرلمان للاحتجاج، وهناك آخرون باتجاه تل أبيب للمشاركة في مظاهرة لدعم الحكومة.
وكان أفراد الجانبين يحملون العلم الإسرائيلي ولافتات مؤيدة للديمقراطية، وتبادلوا الابتسامات والمصافحات بملامسة الأكف.
لكن بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، فهناك حالة من الاستقطاب بين الطرفين أكثر وضوحا من أي وقت مضى، حيث يرون أن المصادقة على أول تعديل اليوم الاثنين، والذي يحد من صلاحيات المحكمة العليا، ما هو إلا عرض ظاهري وليس سببا جذريا لتلك الشروخ العميقة.
مصالح القوميين المتدينين
من يفضلون إقرار التعديلات القضائية هم في الأغلب قوميون متدينون، ممن ساعدوا من خلال الحشد بأعدادهم المتزايدة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على العودة للسلطة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبالنسبة لهم، تخدم تلك التعديلات قضايا حقيقية ملموسة؛ مثل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وتأمين الإعفاءات من التجنيد لطلبة المعاهد الدينية اليهودية، إضافة إلى تقييد ما يرونه تجاوزا من القضاء لصلاحياته والانجراف نحو الثقافة الليبرالية.
ويضعهم هذا الموقف في مواجهة الإسرائيليين الذين يصورهم زعيم المعارضة يائير لبيد على أنهم الطبقة المتوسطة المنتجة.
وشهدت هذه الطبقة تراجع أحزاب يسار الوسط، التي كانت مهيمنة في السابق، مع تراجع عدد أفراد أسرهم لما دون معدل مواليد المعسكر المحافظ.
وتعهد بعض المحتجين، ممن صدمتهم وتيرة التعديلات القضائية ونطاقها، بعدم دفع الضرائب والامتناع عن التطوع في خدمة الاحتياط بالجيش.
وقالت شيكما بريسلير (43 عاما) -وهي أستاذة جامعية في الفيزياء وأحد منظمي الاحتجاجات لرويترز- “لن تكون هناك حياة طبيعية في إسرائيل؛ نتنياهو وحكومته من المتطرفين يسحبوننا لجحر الأرنب”.
صراع بنكهة طبقية
ويتهم منتقدون نتنياهو بمحاولة تمزيق عقد اجتماعي قانوني بالغ الحساسية تتخذه إسرائيل بديلا للدستور في دولة تصنف نفسها على أنها يهودية وديمقراطية في آن واحد. أما كثير من الإسرائيليين المؤيدين للحكومة فيعدون المظاهرات والاحتجاجات التي تهز أرجاء إسرائيل منذ 7 أشهر محاولة لتقويض فوزهم الانتخابي.
وتقول آفيا كوهين -وهي طالبة حقوق مشاركة في مظاهرة تل أبيب- “أنا هنا اليوم لأوضح للناس أنني انتخبت.. صوّت لمن أؤيدهم وأنا أؤيد الإصلاحات القضائية 100%”.
واتهمت كوهين جنود الاحتياط المحتجين بمحاولة تنفيذ “انقلاب عسكري”، على حد وصفها.
ويبدو أن فكرة تمسك المنهزمين في الانتخابات بفرض نفوذهم أحيت الضغائن الطبقية داخل حزب الليكود بزعامة نتنياهو، وهو الحزب الذي صعد لأول مرة للسلطة في أواخر السبعينيات بدعم من اليهود المهمشين بسبب انحدارهم من أصول من دول في منطقة الشرق الأوسط.
وقال وزير الخارجية إيلي كوهين -المولود لمهاجرين من المغرب- لصحيفة “معاريف” اليومية إنه كان يعتقد أن شخصا بخلفية مماثلة سيستبعد من منصة قضاء المحكمة العليا “لأن الانتماء لزمرة معينة هو وحده الذي يمكنك من التأهل لذلك”.
لكن استطلاعات عديدة للرأي أظهرت أن أغلب الإسرائيليين لديهم تحفظات على التعديلات القضائية المطروحة التي أضرت بالاقتصاد وأثارت القلق لدى دول غربية حليفة لإسرائيل.
وأشار النائب المعارض البارز بيني غانتس إلى أن الأربعاء القادم سيوافق ذكرى “خراب الهيكل” (تيشعاه بئاف) التي يجري إحياؤها بالصيام والحداد، ذلك الخراب الذي يرجع الإسرائيليون سببه إلى اقتتال طائفي داخلي غير مبرر.
وقال غانتس للبرلمان “إنه يوم حزين. عشية تيشعاه بئاف، نحن على شفا الهاوية”، لكنه تعهد بأن حزبه سيدعم الحكومة عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي مهما كانت نتيجة التصويت.