القدس المحتلة- بواقع 100 مستوطن في كل مجموعة، دنّس 2180 متطرفا ساحات المسجد الأقصى المبارك، اليوم الخميس، خلال إحيائهم لذكرى “خراب الهيكل” الذي يعتبره الإسرائيليون يوم حزن وحداد على تدمير “الهيكلين” الأول والثاني.
وهكذا تكون الجماعات المتطرفة قد فشلت في الوصول للرقم القياسي الذي حققته للاقتحامات في مثل هذا اليوم من العام الماضي، عندما اقتحم المسجد 2201 من المتطرفين.
ويدّعي اليهود أن البابليين دمروا “الهيكل الأول” عام 586 قبل الميلاد، وأن الرومان دمروا “الهيكل الثاني” عام 70 للميلاد، وبالتالي يجب تلاوة نصوص من “سِفر المراثي” يوم 9 أغسطس/آب حسب التقويم العبري من كل عام داخل الكنس.
وتتناول هذه المرويات “احتلال البابليين للقدس وتهجير اليهود من بلادهم إلى أرض بابل حيث مكثوا 70 عاما حتى أذن لهم ملك فارس كورش بالعودة إلى ديارهم وإقامة الهيكل الثاني الذي دمره الرومان لاحقا”.
انتهاكات بالجملة
ويصر المتطرفون على اقتحام المسجد الأقصى المبارك في هذه المناسبة ويرفضون إحياءها في كنسهم فقط، وكان إدخال لفائف “الرثاء” وقراءتها داخل المسجد الأقصى من بين الانتهاكات اللافتة التي سُجلت اليوم داخل الساحات.
وبالإضافة لتلاوة النصوص التوراتية، أدى المتطرفون الصلوات الصامتة والعلنية وغنّوا ورقصوا داخل الساحات وأثناء الخروج من المسجد، كما وثقت مقاطع فيديو أداءهم لطقس “السجود الملحمي” (الارتماء أرضًا في باحات الأقصى) بشكل جماعي في الساحات الشرقية، واكتفت الشرطة بِحثهم على إكمال مسيرتهم إلى الأمام بدلا من إخراجهم من الساحات.
وكان من اللافت اقتحام وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير ساحات المسجد صباحا، وهي المرة الثالثة التي يقتحم بها الأقصى منذ توليه منصبه في الحكومة مطلع العام الجاري.
ولم يسلم مصلى قبة الصخرة من الاعتداءات إذ اقتحمته شرطة الاحتلال واعتدت على المصلين والحراس وصادرت أحد مفاتيحه.
دلالات خطيرة
وبالتزامن مع هذه الانتهاكات، بدا واضحا من خلال سلوك الشرطة الإسرائيلية على الأبواب أن التقسيم الزماني يُطبق بشكل دقيق، وقيل للكثير من المصلين بعد منعهم من دخول المسجد إن عليهم العودة بعد الساعة الثانية والنصف ظهرا أي بعد انتهاء فترتي الاقتحام الصباحية والمسائية، واضطر ذلك عددا من المصلين لأداء صلاة الظهر جماعة في أزقة البلدة القديمة المؤدية للأقصى.
أستاذ دراسات بيت المقدس في جامعة “إسطنبول 29 مايو”، ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المسجد الأقصى سابقا عبد الله معروف، قال للجزيرة نت إن ما جرى في المسجد اليوم يحمل دلالات في منتهى الخطورة، لأن الجماعات المتطرفة وتيار الصهيونية الدينية اعتبروا هذه المناسبة تحديا غير مسبوق أمام الفلسطينيين والعالم كله لتأكيد فكرة السيادة على الأقصى.
وأضاف أن هذه الاقتحامات نفذت بقيادة إدارة جبل المعبد وهي مؤسسة وهمية أنشأها اتحاد منظمات المعبد التابع للتيار الديني اليميني، وتمت الاقتحامات بمرافقة من رئيس الاتحاد الحاخام شمشون إلباوم لعدد من المسؤولين.
ويرى أن اقتحام مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية للمسجد الأقصى اليوم، وعلى رأسهم بن غفير، يدل على أن الحكومة تعتبر أن مسألة السيطرة على الأقصى هي في الواقع برنامجا حكوميا يقع على رأس سلم الأولويات.
وقال بن غفير خلال اقتحامه للساحات “في هذا اليوم وهذا المكان من المهم أن نتذكر أننا كلنا إخوة في اليمين واليسار.. المتدينين والعلمانيين، فعندما يشاهدنا المخرب من النافذة لا يفرق بيننا.. محبة إسرائيل والوحدة مهمة، وهذا المكان هو أهم مكان لشعب إسرائيل للرجوع إليه وإنفاذ حكمنا عليه”.
تعزيز الحضور داخل الأقصى وعلى أبوابه
وتطرق معروف أيضا لخطورة استخدام باب الأسباط لخروج المستوطنين من المسجد، إذ يدل ذلك على أن “الاحتلال يسعى لخنق المسجد بالسيطرة على الناحيتين الشمالية الشرقية المتمثلة بباب الأسباط بعد سيطرته على الناحية الجنوبية الغربية المقابلة لها والمتمثلة ببابي المغاربة والسلسلة”.
وفي ختام حديثه للجزيرة نت، أكد معروف أن مسألة أداء الطقوس الدينية كافة أصبحت حقيقة واقعة وليست مجرد تكهنات وتخمينات، كما أنه أصبح واضحا أن الاحتلال يريد التعامل مع الأقصى باعتباره هيكلا قائما بشكل معنوي في مقدمة لإقامته ماديا على أرض الأقصى.
أما خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، فردّ على انتهاكات المتطرفين والمسؤولين الإسرائيليين داخل أولى القبلتين بالقول “نؤكد على حقنا الشرعي المستمد من الله وليس من هيئة أمم ولا مجلس أمن.. نحن حراس للأقصى بقرار من رب العالمين وهذه العنجهية لن تكسب الاحتلال أي حق في هذا المقدس”.
وأضاف صبري، في حديث للجزيرة نت، أن الاقتحامات التي تتم بحماية عسكرية مشددة تدل على أن الأقصى ليس للمتطرفين ولا يجرؤون على اقتحامه دون حراسة، وأن ما يجري هو مجرد تصرفات استفزازية باطلة تتحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤوليتها ومسؤولية أي مساس بحرمة الأقصى.
وحول منع معظم المصلين من دخول المسجد الأقصى بالتزامن مع إحياء المتطرفين لذكرى “خراب الهيكل” في ساحاته، شدد صبري على أهمية استمرار شد الرحال تلبية لنداء النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى واجب العرب والمسلمين تجاه هذا المقدس وأهمية وجود حراك سياسي ودبلوماسي ورسمي يردع الاحتلال ويدفعه للتراجع عن تصرفاته الاستفزازية.
يذكر أن الهيئات الإسلامية في القدس، وعلى رأسها مجلس الأوقاف والشؤون والـمقدسات الإسلامية، أصدرت بيانا دعت من خلاله الأمة الإسلامية لتحرك فاعل لحماية الأقصى من التهويد قبل فوات الأوان.
واعتبر البيان أن التصعيد الممنهج يعد خرقا واضحا للوضع التاريخي والقانوني والديني القائم في المسجد الأقصى، وأكدت الهيئات الإسلامية من خلاله إصرارها في “مواجهة الإجراءات الإسرائيلية الظالمة ضد المسجد ورواده وحراسه والمصلين فيه”.