تجددت المظاهرات وسط تل أبيب الليلة الماضية بمشاركة آلاف الإسرائيليين احتجاجا على التعديلات القضائية، وذلك بعد أيام من إقرار الكنيست أول تعديلات من شأنها الحد من سلطات المحكمة العليا على الائتلاف الديني القومي الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو.
من جانبه، حاول نتنياهو التقليل من الحجم المعطى للتعديلات، واصفا إياها -في تصريح لتلفزيون أميركي- بأنها “تصحيح طفيف”، نافيا سعيه إلى إضعاف المحكمة العليا. وبينما دعا الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ للهدوء؛ اتهم رئيس الموساد الأسبق تامير باردو رئيس الوزراء بتفكيك الجيش وتمزيق إسرائيل.
وقال مراسل الجزيرة إن متظاهرين حاولوا إغلاق أحد الطرقات الرئيسية في تل أبيب قبل أن تمنعهم الشرطة الإسرائيلية؛ التي قالت إن قواتها تستعد لمواجهة أي تصعيد في العنف من جانب المحتجين على إقرار الكنيست مؤخرا بند المعقولية الذي يصادر صلاحيات المحكمة العليا وقضاتها في إلغاء قرارات الحكومة وأذرعها التنفيذية بحجة عدم المعقولية.
ويتهم المتظاهرون نتنياهو بالعمل على الحد من استقلالية المحكمة العليا، في الوقت الذي يدفع فيه ببراءته في محاكمة فساد، وبتغيير نظام العدالة من جانب واحد بما يضر بالليبراليين العلمانيين الذين كانوا مهيمنين في وقت ما.
ونشرت شيكما بريسلر، وهي من قادة الاحتجاجات، ملصقا في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يقول “الحكومة غير شرعية”. وأضافت أن “الاحتجاجات ستستمر كما هو مقرر لها في الوقت نفسه الذي يتم فيه تكثيف الإجراءات واستخدام أدوات لم تستخدم من قبل”.
وتصاعدت حدة الأزمة الدستورية، التي دخلت شهرها السابع الاثنين الماضي بعد أن أقر الكنيست أول التعديلات القضائية التي يتبناها نتنياهو.
وقدمت جماعات تراقب الأوضاع السياسية طعنا على القانون الجديد أمام المحكمة العليا لإلغائه، مما يمهد الطريق أمام مواجهة غير مسبوقة بين دوائر الحكومة عند سماع المرافعات في سبتمبر/أيلول المقبل.
لكن المواجهة القانونية ستبدأ الخميس القادم عندما تنظر المحكمة العليا في استئناف ضد مشروع قانون للائتلاف تم التصديق عليه في مارس/آذار الماضي، ويحد من شروط عزل رئيس الوزراء من منصبه.
ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك القائمين على السلطة إلى الاستجابة لنداءات المحتجين، الذين قال إنهم يدافعون عن حقوق الإنسان و”المساحة الديمقراطية والتوازن الدستوري التي تأسست بشق الأنفس في إسرائيل على مدى عقود عديدة”.
نتنياهو يتمسك ويدافع
من جانبه، قال نتنياهو -في تصريح لشبكة إيه بي سي الأميركية- إن التعديلات القضائية “توصف كأنها نهاية الديمقراطية الإسرائيلية. أعتقد أن ذلك سخيف والكل سيدرك ذلك متى انجلى الغبار”.
وشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنه لا يسعى إلى إضعاف المحكمة العليا، بل لإيجاد توازن بين السلطات الثلاث التي تمثل جوهر الديمقراطية في إسرائيل، على حد قوله.
وأضاف نتنياهو -في مقابلة أخرى مع شبكة سى إن إن الاخبارية الأميركية- أن المحكمة العليا ألغت الكثير من صلاحيات السلطتين القضائية والتنفيذية في الماضي، مؤكدا أن الإصلاحات التي يطالب بها تهدف في جوهرها إلى إيجاد محكمة مستقلة، لكنها غير مطلقة الصلاحيات، حسب تعبيره.
من جانبه، حثّ الرئيس الإسرائيلي طرفي الخلاف في موضوع التعديلات القضائية على الامتناع عن أي أعمال عنف، مستغلا مناسبة دينية يهودية أمس الخميس للدعوة إلى المصالحة.
وقال هرتسوغ -الذي يحاول منذ مارس/آذار الماضي التوسط للوصول إلى تسوية- على فيسبوك “أناشد الجميع حتى مع وصول الألم إلى ذروته، لا بد أن نحافظ على الحدود في الخلاف ونمتنع عن العنف والإجراءات التي لا رجعة فيها”.
وأضاف “يجب أن نتخيل حياتنا معا هنا بعد 40 و50 و100 عام أخرى، وكيف سيؤثر كل إجراء على أطفالنا وأحفادنا وعلى الجسور بيننا”.
وأثارت خطط نتنياهو وحكومته اليمينية احتجاجات لم يسبق لها مثيل على مدى شهور، وأدت إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي بشكل كبير، ورفض بعض جنود الاحتياط في الجيش الامتثال لأوامر الاستدعاء.
ويقول قادة الاحتجاجات إن أعدادا متزايدة من جنود الاحتياط في الجيش قرروا التوقف عن تأدية الخدمة للتعبير عن معارضتهم، وهو ما أقره الجيش الذي حذر من أنه إذا طال أمد غياب الجنود سيضر هذا تدريجيا باستعداد البلاد للحرب.
أمة ممزقة
في غضون ذلك، قال رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي الأسبق -أمس الخميس- إن نتنياهو فكّك الجيش الإسرائيلي والموساد، وباتت إسرائيل أمة ممزقة إلى قسمين.
جاء ذلك في رده على سؤال لهيئة البث الإسرائيلية بشأن تهديدات المئات من ضباط وجنود الاحتياط بتعليق خدمتهم بالجيش، ردا على خطة التعديلات القضائية المثيرة للجدل.
وأضاف باردو “نحن نمر بظروف مشابهة لظروف كو كلوكس كلان.. لقد تحالف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع أحزاب عنصرية مروعة ومواقفه ليست بعيدة عنهم”.
وتابع “لو أن دولة ما سنت بعضا من هذه القوانين التي نسنها هنا، لقلنا إنها قوانين عنصرية ومعادية للسامية”، معتبرا أن إسرائيل “باتت أمة ممزقة إلى قسمين في ظل وجود رئيس وزراء لا يرف له جفن”، حسب تعبيره.
وحول مضي الحكومة في المصادقة على التعديلات القضائية، قال باردو “نتنياهو فكك الجيش الإسرائيلي والموساد”.