3 أعوام مرت على انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت والجرح لم يدمل وآثاره لا تزال محفورة في أجساد ضحاياه.
3 أعوام والعذاب الجسدي والنفسي للضحايا الأحياء متواصل معطوف عليه “حرقة” ذويهم من ضياع حقهم بحقيقة ما جرى لأولادهم في 4 أغسطس 2020، ومن هو المسؤول عما حل بأولادهم وتبدّل حياتهم رأساً على عقب.
لم تستيقظ حتى اليوم
من بين هؤلاء لارا الحايك (40 عاماً) الضحية الصامتة في الانفجار، أُصيبت برأسها وعينها إصابة بالغة أدخلتها في غيبوبة، لم تستيقظ منها حتى يومنا هذا.
وبغصة أوضحت والدتها نجوى، التي تواظب على زيارتها مرتين في الأسبوع طبقاً لقوانين المستشفى الخاصة بحالتها، لـ”العربية.نت” أن “حالة لارا الصحية تتراجع يوماً بعد يوم. عظام جسمها تتفتت لأنها لا تتحرك ودماغها تعرض للتلف. وهي تتناول الطعام عبر أنبوب في خاصرتها”.
“ناطرتك ولن أفقد الأمل”
كما جهشت بالبكاء قائلة: “كل مرّة بطلع لعندا بصير أحكي معا. لارا حبيبتي أنا أمك ورح ضل حدك، بس للأسف ما في حدا. أبكي ثم أقول لها: ستتحسنين وستعودين معي إلى البيت. أنا ناطرتك ولن أفقد الأمل”.
كذلك أضافت: “أخذوا مني ابنتي الوحيدة التي هي اليوم عبارة عن جثة هامدة بعدما كانت زهرة البيت”.
“لا يريدون كشف الحقيقة”
أما عن كلفة علاج لارا، فذكرت والدتها أن “الدولة تخلت كلّياً عن واجبتها، في وقت هناك جهات (أفراد ومؤسسات) لا تزال تدعم مسار علاجها “.
وعن التحقيقات المتوقفة منذ أكثر من سنة، قالت نجوى: “أي تحقيق؟ أين الموقوفين؟ هم لا يريدون كشف الحقيقة. اعتدنا في لبنان أصلاً على عدم كشف حقائق جرائم عديدة”.
الشابة لارا
ضحية أخرى
على عكس لارا، تخطو ليليان شعيتو الشابة اللبنانية (28 عاماً)، التي أصيبت أيضاً بالانفجار، خطوات سريعة في علاجها الذي بدأته بالجامعة الأميركية في بيروت وتُكمله اليوم بأحد المراكز الطبية في تركيا. وهي أصيبت بأضرار بالغة في فصوص دماغها الأمامية تركتها في غيبوبة استمرت لأشهر، وتطلبت خضوعها لثلاث عمليات جراحية.
وبفرحة قالت شقيقتها نوال التي ترافقها في رحلة علاجها في تركيا، لـ”العربية.نت” إن “ليليان رجعت من الموت. حالتها تتحسن بسرعة نتيجة الرعاية التي تتلقاها في مركز المعالجة. وهي بدأت منذ فترة السير على قدميها، لكن بمرافقة ومساندة منا ومن الطاقم الطبي الذي يُشرف عليها، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير يؤكد أنها ليست مصابة بشلل كامل”.
كما أردفت: “كل شيء يسير بشكل جيد ولو ببطء. الأطباء أوقفوا إعطاءها أدوية السكري وضغط الدم، وهي تتناول الطعام بمفردها دون مساعدتنا. تتفاعل معنا جميعاً. تناديني باسمي وتقول ماما وبابا. حتى أنها تتفاعل على أنغام الموسيقى وهذا دليل إلى تجاوبها مع العلاج وتحسنها بشكل كبير”.
من انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية من فرانس برس)
غصة ابنها
لكنها أضافت أنه رغم التقدم بمسار علاج ليليان، إلا أن قضية حرمانها من احتضان ابنها فلذة كبدها بقيت تُنغّص فرحة أهلها بتحسن حالتها. وكان زوجها قد تخلى عنها بعد دخولها في غيبوبة واحتجز جواز سفرها واستصدر قراراً بمنعها من السفر، وانتزع ابنها من بين أحضانها.
وبحرقة ذكرت نوال: “قصة ابن ليليان على حالها. أهل زوجها يرفضون أن تجتمع به شخصياً. طلبنا منهم أن تراه عبر الفيديو الكول لكنهم رفضوا أيضاً. الأطباء نصحوا بذلك لأنه يساعدها على التقدم بالعلاج، لكن عبثاً حاولنا، وحجتهم أنهم لا يريدون أن يتعلق ابنها بها وهي بهذه الحالة”.
فيما أوضحت: “لا نستطيع أن نفعل شيئاً في قضية طفلها. حاولنا عبر طرق عديدة ومن خلال الضغط الإعلامي أن نعيده إلى حضنها، إلا أننا لم ننجح. وهي عندما ترى طفلاً في مركز العلاج تبكي وتتفاعل معه وتمد يدها إليه، وهذا دليل إلى اشتياقها لطفلها”.
من انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية من فرانس برس)
“لا مجرم خلف القضبان”
أما عن المسار القضائي للتحقيقات، فقالت نوال: “3 سنوات على الانفجار ولا مجرم خلف القضبان. ليليان خسرت حياتها وطفلها بانفجار لم نرى حتى الآن مسؤولاً عنه في السجن”.
وتابعت: “الحمدالله بعد في أهل خير بالدني وإلا كانت ليليان بغير محل اليوم. هناك فاعل خير تكفل بعلاجها في وقت تخلت الدولة عن مسؤوليتها بعلاجها”.
مماطلة في التحقيقات
يشار إلى أنه بعد 3 سنوات على الانفجار الذي يعد ثالث أكبر انفجار غير نووي في العالم، يتراجع الأمل في الوصول إلى الحقيقة جراء ضغوط سياسية وقضائية غير مسبوقة تعرقل التحقيق منذ انطلاقه.
فالتحقيق في الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 220 ضحية وآلاف الجرحى، معلق نتيجة المماطلة وتقاذف كرة المسؤولية بين القوى السياسية.
وفي يناير الماضي، حاول المحقق العدلي في الانفجار القاضي طارق البيطار استئناف تحقيقاته التي جُمّدت بسبب دعاوى رفعها تباعاً عدد من المدعى عليهم ضده. غير أن هؤلاء نفسهم استطاعوا بالتعاون مع أركان في السلطة من فك يده مجدداً، وبالتالي وقف التحقيقات.
وقرر البيطار إخلاء سبيل 5 موقوفين منذ الانفجار، بينهم مسؤولان سابقان في المرفأ، إضافة إلى الادعاء على 8 أشخاص جدد بينهم مسؤولان أمنيان رفيعان هما المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم والمدير العام لأمن الدولة طوني صليبا، لكنهم رفضوا المثول أمامه وطالبوا بتنحيته عن الملف.