إسلام آباد– بعد أكثر من عام من التجاذبات السياسية التي أعقبت إسقاط حكومة حزب إنصاف الباكستاني الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عمران خان، تتهيأ باكستان لإجراء الانتخابات العامة، حيث أعلن مكتب الرئيس الباكستاني عارف علوي حل البرلمان والحكومة تمهيدا لإجراء الانتخابات.
كانت هذه الخطوة مطلبا رئيسيا لحزب إنصاف وزعيمه عمران خان على مدار أكثر من عام، حيث طالب خان بحل البرلمان الوطني والحكومة وعقد انتخابات مبكرة بعد إسقاط حكومته في أبريل/نيسان من العام الماضي، ونظم عددا من المظاهرات في مناطق مختلفة من البلاد للضغط على الحكومة والجهات السيادية لعقد انتخابات مبكرة.
لم يقف الأمر عند المظاهرات فحسب، حيث اتخذت قيادة حزب إنصاف في يناير/كانون الثاني الماضي قرارا بحل البرلمانات الإقليمية في اثنين من أكبر أقاليم باكستان، وهي البنجاب (شرق) وخيبر بختونخوا (شمال غرب)، وهما أقليمان كان حزب إنصاف يسيطر على حكومتيهما.
وتأتي خطوة حل البرلمان الوطني والحكومة الفدرالية في ظل اعتقال عمران خان والحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات والحرمان من ممارسة السياسة أو شغل أي منصب حكومي لمدة 5 سنوات، مما يلقي بظلال الشك على قدرة حزب إنصاف على المنافسة في الانتخابات المقبلة.
خطوات دستورية
وفقا للدستور الباكستاني، فإنه يتوجب تشكيل حكومة تسيير أعمال للعمل لمدة 3 أشهر وتنظيم ومراقبة الانتخابات لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة، حيث يتم التشاور بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء ورئيس المعارضة في البرلمان للاتفاق على رئيس وزراء جديد.
ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن الحكومة المؤقتة اليوم السبت، وفقا لتصريحات رئيس الوزراء السابق شهباز شريف التي بثتها إذاعة باكستان الحكومية.
وفي حال لم يتم التوافق على رئيس وزراء جديد فإنه يجب على رئيس الوزراء ورئيس المعارضة ترشيح أسماء للجنة يشكلها رئيس البرلمان في غضون 3 أيام. وفي حال لم يتم التوافق أيضا، فإن مسؤولية الإعلان عن رئيس وزراء جديد تقع على عاتق لجنة الانتخابات الباكستانية خلال يومين.
وسوف تكون حكومات الأقاليم مجبرة على حل البرلمانات والحكومات الإقليمية بعد حل البرلمان الوطني، وبما أن إقليمي البنجاب وخيبر بختونخوا بالفعل يخضعان لحكومتين مؤقتتين فإنه يجب فقط على إقليمي السند (جنوب) وبلوشستان (جنوب غرب) حل حكومتيهما وبرلمانيهما وتعيين حكومتين مؤقتتين.
ووفقا للنظام الانتخابي في باكستان، يجب على لجنة الانتخابات الباكستانية تحديد موعد لعقد الانتخابات في مدة لا تتجاوز 60 يوما، لأن البرلمان تم حله بعد انتهاء المدة القانونية له، لكن في حال الحل المبكر للبرلمان تصبح المدة 90 يوما للإعلان عن انتخابات جديدة.
ويقول المحلل السياسي جاويد صديقي في حديث للجزيرة نت إن المؤسسة العسكرية تلعب دورا رئيسيا في هذه المرحلة، وهم يحاولون تعيين أشخاص مقربين منهم في هذه الحكومة المؤقتة.
تحالفات وخارطة سياسية جديدة
وتشهد الساحة الباكستانية منافسة قوية بين عدة أحزاب سياسية كانت تشكل المشهد السياسي في البلاد على مدار عقود من تاريخها المليء بالصراعات السياسية والانقلابات العسكرية التي شهدتها 3 مرات منذ تأسيسها.
ويتنافس في الانتخابات المقبلة أكبر الأحزاب الباكستانية، على رأسها حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف) الذي يقوده شهباز شريف، وحزب الشعب الباكستاني الذي يقوده سليل عائلة بوتو بيلاوال بوتو زرداري، وحزب إنصاف الذي يتزعمه عمران خان.
بالإضافة إلى أحزاب أخرى أقل شعبية وليس لها القدرة على الحصول على أغلبية برلمانية تمكنها من تشكيل حكومة، وإنما تلعب تلك الأحزاب دورا لا غنى عنه في التحالف مع الأحزاب الكبرى التي غالبا ما تحتاج إلى التحالف مع الأحزاب الصغرى للحصول على أغلبية برلمانية.
وأبرز تلك الأحزاب حزب جمعية علماء الإسلام الذي يتزعمه مولانا فضل الرحمن الذي له وجود قوي في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان، وحزب الحركة القومية المتحدة الذي يحضر بقوة في مدينة كراتشي وبعض مدن السند، وحزب عوامي باكستان في خيبر بختونخوا، إضافة إلى حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح قائد أعظم) الذي يقوده شجاعت حسين وله حضور في بعض مناطق البنجاب، وحزبا بلوشستان عوامي وبلوشستان الوطني في بلوشستان.
كما ظهر على الساحة في الأشهر الماضية حزب استحكام باكستان الذي شكله جيهانغير خان تارين ويقوده عليم خان، وهما من حزب إنصاف سابقا وله حضور في البنجاب، بالإضافة إلى حزب إنصاف البرلماني الذي شكله وزير الدفاع السابق برويز ختاك في إقليم خيبر بختونخوا.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي ومدير مركز إسلام آباد للدراسات السياسية عبد الكريم شاه، إنه بعد أحداث التاسع من مايو/أيار تم اعتقال الآلاف من أنصار حزب إنصاف، وانشق عدد كبير من قيادات الحزب في البنجاب وخيبر بختونخوا، وهذا ما يشكل خارطة سياسية جديدة في البلاد.
ويضيف عبد الكريم شاه في حديث للجزيرة نت، “لكن رغم ذلك لا يزال عمران خان يتمتع بشعبية، ويتضح ذلك من الانتخابات الفرعية للمجالس البلدية التي أجريت قبل أسبوع في إقليم خيبر بختونخوا التي فاز بها حزب إنصاف”.
ويتابع شاه أنه من الصعب حاليا التنبؤ بفرص الأحزاب السياسية في الفوز في الانتخابات المقبلة، رغم دعم المؤسسة العسكرية للأحزاب الجديدة التي تشكلت في الأشهر الماضية.
ولا يستبعد شاه أن تكون فرص التحالف بين حزب نواز شريف وحزب جيهانغير خان تارين قوية، رغم أن حزب نواز شريف يخشى من أن تترك المساحة لأشخاص كانوا في السابق في حزب إنصاف، ومن الجدير بالذكر أن ثمة محاولات بينهما للتوافق على آلية للتعاون في جنوب البنجاب.
من جهته، يقول المحلل السياسي جاويد صديقي إن الأفضلية ربما تكون في الوقت الحالي للأحزاب المنافسة لحزب إنصاف، وهي حزب الرابطة وحزب الشعب وحزب جمعية علماء الإسلام.
ويعلل صديقي ذلك بأن وجود عمران خان في السجن والجهود المبذولة لإبقائه في السجن والقضايا المتلاحقة المرفوعة ضده تلعب دورا في إبعاد حزبه عن المنافسة القوية.
ويعتقد صديقي أنه في حال لم يقد عمران خان الحملة الانتخابية لحزبه، فإن فرص حزب إنصاف في الفوز في الانتخابات ستكون ضعيفة جدا. ومن جهة أخرى هناك محاولات لإعادة نواز شريف إلى الواجهة وعودته إلى باكستان لقيادة الحملة الانتخابية لحزبه.
ويختم صديقي قوله بأن نتائج الانتخابات المقبلة تبدو قريبة من سيناريو اعتماد الأحزاب على بعضها، بمعنى أن أيا من الأحزاب لن يحصل على أغلبية مطلقة لتشكيل حكومة، وهو ما يجعلها تتحالف مع بعضها لتشكل أغلبية لتشكيل الحكومة.
وضع مضطرب وتنبؤات بالتأجيل
في ظل الحديث عن الانتخابات الجديدة هناك تنبؤات بتأجيلها، وفقا لتصريحات من وزير الدفاع خواجا آصف ووزير الداخلية رانا صنع الله، وفقا لصحيفة “دون” الباكستانية.
وفي هذا السياق، يقول عبد الكريم شاه إن تأجيل الانتخابات أمر وارد جدا، ويمكن أن تُؤجل لمدة 6 أشهر أو أكثر من ذلك، بسبب الوضع السياسي والاقتصادي المضطرب في البلاد، أو بنية مبيتة من الجهات الفاعلة في البلاد.
من جهته يقول جاويد صديقي إن تأجيل الانتخابات يمكن أن يتراوح بين 6 أشهر إلى سنة، لأن الإحصائيات الأخيرة من لجنة الانتخابات والهيئات الأخرى تقول إن 6 أشهر على الأقل مطلوبة لاستكمال إجراءات ما قبل الانتخابات.
ويضيف صديقي أن رئيس الوزراء المؤقت يتوقع أن يكون لديه خبرة في الاقتصاد لإدارة شؤون البلاد الاقتصادية خلال تلك الفترة.
ويختم صديقي قوله بأنه مع اقتراب الانتخابات وفي ظل الوضع الحالي فإن الناس لديهم شكوك حول نزاهة وشفافية هذه الانتخابات.