أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن جامع الأقمر تحفة معمارية فريدة، حيث تمثل واجهته رسالة سلام ومحبة فى حد ذاتها باعتبارها لوحة معمارية استثنائية لا مثيل لها فى العالم، وقد قام مؤسس المتحف القبطى مرقص سميكة باشا بنسخ واجهة جامع الأقمر لتكون واجهة المتحف القبطى حين تأسيسه،وهى الواجهة الحالية للمتحف القبطى بعد أن أضاف إليها الفنان التشكيلى راغب عياد الرموز المسيحية لتؤكد قيم التلاحم والتعانق بين الأديان فى مصر، وأن العمارة المسيحية والإسلامية فى مصر هى منظومة تواصل حضارى وتأثير وتأثر وتشابك والتحام فى نسيج واحد بخيوطه من سداه ولحمة.
يأتي ذلك فى ضوء افتتاح المجلس الأعلى للآثار ممثلا في وزارة السياحة والآثار، جامع الأقمر بشارع المعز لدين الله الفاطمي، المزمع له اليوم الأحد، ومن المقرر أن يحضر الافتتاح قيادات المجلس الأعلى للآثار على رأسهم الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار.
أنشئ المسجد في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله أبو علي منصور بن أحمد 519هـ، 1125م، علي يد وزيره محمد بن فاتك بن مختار بن حسن بن تمام المعروف تاريخيًا بـ “أبوعبدالله المأمون بن البطائحي”، وعرف بالبطائحي نسبة إلى أصوله التي تنتمي إلى البطائح بالعراق والواقعة بين البصرة والكوفة، أيضًا الآمر بأحكام الله هو الخليفة الذى أنشىء فى عهده الجامع الفاطمى داخل دير سانت كاترين عام 500هـ، 1106م لتلتقى رموز الأديان داخل دير سانت كاترين فى بوتقة واحدة.
وأوضح الدكتور ريحان أن الأقمر يقع على ناصيتى شارعين، وهما شارع المعز لدين الله الفاطمى وشارع النحاسين، بنى على يد أفضل البنائيين والمهندسين، وقد جاءت تسمية المسجد بالأقمر لاستخدام الحجارة البيضاء للمرة الأولى في بناء المساجد، وكانت تضيء في المساء مثل ضوء القمر كما أنه يتفق مع مسميات المساجد فى العصر الفاطمى بأسماء منيرة مثل الأنور والأزهر، وتتزين الواجهة بسبعة أشكال لشموس مختلفة الأحجام، وتجسّد الإبداع فى الواجهة المزخرفة بزخارف ونقوش خطية ونباتية محفورة تبدو مشرقة كالشمس، وتعلو الباب طاقة كبرى يتوسطها دائرة صغيرة عليها نقش لاسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه، وتحيط بها ثلاث حلقات، نُقش على الحلقة الوسطى منها بالخط الكوفى: بسم الله الرحمن الرحيم “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا”، وكأنما أريد بهذه الشموس المضيئة أن تعبر عن قوله تعالى «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا” كما أن هناك بروز يتخذ هيئة برجين يتوسطهما ممر يؤدي إلى الباب روعي في تصميمهما أن يصغر حجمهما ليتناسق المظهر مع الواجهة.
وتابع الدكتور ريحان فى جماليات الأقمر المعمارية والفنية أن القبلة بنيت موازية لخط تنظيم الشارع بدلًا من أن تكون موازية لصحن المسجد، وذلك للوصول إلى اتجاه القبلة الصحيح، تخطيطه من صحن صغير مربع، طول الضلع 10م محاط بأربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة الذي يستمل على ثلاث بوائك عقودها ترتكز على أعمدة من الرخام ذات قواعد مصبوبة وتيجان مختلفة الأشكال، والجامع مغطى بقباب ضحلة منخفضة وهو عنصر جديد فى ذلك الوقت يظهر كيفية تطور تغطية الأروقة في جوامع القاهرة، وقد شاع استخدام هذا الأسلوب فيما بعد في مساجد العصر العثمانى
وعن أعمال التجديدات فى المسجد يشير الدكتور ريحان بأن الإهمال أصاب المسجد فيما بعد فى العصر الأيوبى، وتم تجديده فى العصر المملوكى فى عهد السلطان الظافر سيف الدين برقوق عام799هـ، 1397م، بواسطة الأمير أبو المعلى يلبغا بن عبدالله السالمي، والذي عرف عنه التصوف وحب آل البيت، فأعاد الحياة لجامع الأقمر، وجدد المئذنة والمنبر وحوض الدواب المجاور له، وأقام بركة مياه معلقة في الصحن، وسجل ما فعله من تجديدات أعلى محراب الجامع ومنبره مع احتفاظ المسجد ببعض زخارفه الفنية المتميزة فى العصر الفاطمى، وقام الأمير سليمان أغا السلحدار عام 1821 في فترة حكم محمد علي باشا بتجديده تلاها تجديدات لجنة حفظ الآثار العربية عام 1928 التى أزالت المباني من أمام واجهته لتظهرها كاملة مع الحفاظ على طابعه التاريخى.
وأوضح الدكتور ريحان أن كل هذا يأتى فى إطار خطة الدولة لإحياء السياحة الروحية فى مصر التى تعد مصدرًا للسلام النفسي والطمأنينة والذى يتجسّد فى مشروع التجلى الأعظم لإحياء موقعًا تجلى فيه سبحانه وتعالى مرتين، تجلى نورًا من وراء العليقة المقدسة وتجلى خشوعًا للجبل فدك الجبل ومن آثاره شجرة العليقة الملتهبة داخل الدير وجبل التجلى وجبل موسى، ومشروع إحياء مسار العائلة المقدسة والذى يستهدف 2.3 مليار مسيحى فى العالم علاوة على عددًا كبيرًا من المسلمين فلو حصلت مصر على نسبة 2% فقط، فهذا يعنى دخول 46 مليون حاج مسيحى سنويًا، وإحياء مسار آل البيت وقد افتتح الرئيس السيسى منذ أيام مسجد السيدة نفيسة ويضم المسار بشارع الأشرف الذى أصبح على غرار شارع المعز لدين الله قبة الأشرف خليل وقبة فاطمة خاتون ومقام ابن سيرين ومشهد السيدة رقية وقبتى الجعفرى وعاتكة وقبة شجر الدر ومسجد السيدة سكينة ومشهد محمد الأنور وامتداد الشارع حتى مسجد ابن طولون.
وأردف الدكتور ريحان بأن الدولة قامت بترميم وافتتاح العديد من الآثار الإسلامية منها مشروع ترميم وإعادة توظيف قصر السلطان حسين كامل الشهير بقصر السلطانة ملك بحي مصر الجديدة لإعادة توظيف القصر ليكون مركزًا لتنمية الإبداع وريادة أعمال الشباب، بالإضافة إلى كونه جزءًا من بانوراما قصر البارون إمبان المواجه له، ومشروعًا هامًا لإظهار المعالم الحضارية لمنطقة مصر الجديدة الأصلية، كما تم ترميم قصر البارون إمبان القصر.
كما تم مشروع تطويرورفع كفاءة إضاءة شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية، كما قامت الإدارة العامة للقاهرة التاريخية بوزارة السياحة والآثار بالتعاون مع منطقة آثار الإمام الشافعي، بإضاءة قباب مقابر الأسرة العلوية الأثرية الموجودة بالمنطقة، وتعرف هذه المقابر باسم حوش الباشا بمنطقة الامام الشافعي، كما تم ترميم جامع الفتح الملكى بحي عابدين بالقاهرة
ولأول مرة وبخطوة جريئة من الدولة اخترقت منطقة المدابغ لتكون منطقة تراثية ومنفذ للنزهة لكل المصريين للسياحة الداخلية ومقصد للأجانب لزيارة موقعًا فريدًا يعد اجمل من حدائق جويل ببارشلونة المسجل تراث عالمى.
وأوضح الدكتور ريحان بأن كل هذا ضمن مخطط أكبر تبناه الرئيس السيسى للوصول بالسياحة المصرية إلى 30 مليون سائح مرحليًا للوصول إلى عدد أكبر من هذا بالطبع يتوافق مع الإمكانيات والمقومات السياحية المتعددة التى تنفرد بها مصر وتوافر الطاقة الفندقية التى تستوعب أعدادًا أكبر وذلك بفتح أسواقًا جديدة للسياحة من الدول العربية والإسلامية علاوة على السياحة من دول العالم المختلفة والبعد عن نمطية السياحة وانحسارها فى السياحة التاريخية بتعظيم كل المقومات السياحية التى تمتلكها مصر وتؤهلها للوصول إلى مصاف الدول السياحية الكبرى.