ما المقصود بـالحديث القدسي:«أنا عن عند ظن عبدي بي» .. وكيف نحسن الظن بالله؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر خلال بيانه إحسان الظن بالله.
المقصود بالحديث القدسي:«أنا عن عند ظن عبدي بي»
وأشار علي جمعة، من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيي بوك إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة : «أنا عن عند ظن عبدي بي» [رواه البخاري ومسلم].
وأوضح أنه ينبغي لكل مسلم أن يحسن الظن بربه، فالفارس القائم بحماية أمن أوطان المسلمين واستقرارها أولى الناس بذلك؛ حيث إنه كما يقولون «يحمل روحه على كفه» أي أنه متوقع الاستشهاد في سبيل الله في أي وقت، ومن في هذه الحالة في حاجة دائمة لإحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، فينبغي عليه أن يحسن الظن بالله إن قتل فسيكون شهيدا في سبيل الله مثواه الجنة، ويحسن الظن بالله في أنه سيحقق له هدفه النبيل المشروع في تحقيق النصر والأمن والاستقرار.
وأكد علي جمعة، أنه ضد إحسان الظن بالله القنوط من ثواب الله وموعوده، وقد قيل : قتل القنوط صاحبه, ففي حسن الظن بالله راحة القلوب. قال ابن حجر : «وإنما كان اليأس من رحمة الله من الكبائر لأنه يستلزم تكذيب النصوص القطعية .
وتابع: ثم هذا اليأس قد ينضم إليه حالة هي أشد منه , وهي التصميم على عدم وقوع الرحمة له , وهذا هو القنوط, بحسب ما دل عليه سياق الآية : { وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } وتارة ينضم إليه أنه مع اعتقاده عدم وقوع الرحمة له يرى أنه سيشدد عذابه كالكفار. وهذا هو المراد بسوء الظن بالله تعالى» [فتح الباري].
وشدد علي جمعة أنه يجب على المؤمن أن يحسن الظن بالله تعالى, وأكثر ما يجب أن يكون إحسانا للظن بالله عند نزول المصائب وعند الموت, قال الحطاب : ندب للمحتضر تحسين الظن بالله تعالى, وتحسين الظن بالله وإن كان يتأكد عند الموت وفي المرض , إلا أنه ينبغي للمكلف أن يكون دائما حسن الظن بالله , ففي صحيح مسلم : «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله».
ماذا نفعل عند نزول البلاء؟
وبين أنه عندما ينزل بالمؤمن البلاء يحتاج إلى أن يرجع إلى الله ليعرف حكمة البلاء, ويعرف كيف يتعامل معه عندما ينزل. وما البرنامج الذي يسير عليه حتى يخفف عنه المصيبة وتنزل السكينة على قلبه ويتمتع بنور الصبر, يقول تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ). ويؤخذ من هذا أن نزول البلاء امتحان ، وأن هذه المحن معها منح ربانية من الجزاء الوفير والغفران التام.
واستطرد عضو هيئة كبار العلماء: من هذه المحن الموت ؛ والموت سنة من سنن الله في كونه، ولكنه مع ذلك ليس فناء بل هو انتقال من دار إلى دار, من دار الدنيا إلى الآخرة, ومن دار العمل إلى دار الجزاء, ومن دار الفناء إلى دار البقاء, ولذلك وبهذا الفهم قد كان أبو ذر الغفاري رضي الله تعالي عنه, لا يعيش لديه ولد, فسُئل في ذلك فقال: “الحمد لله الذي يأخذهم مني في دار الفناء ؛ ليدخرهم لي في دار البقاء”. يقول تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ), وقال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ).
وأضاف: قال ﷺ فيما أخرجه الترمذي: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء, وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم, فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط), وقال ﷺ: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) (مسلم), وقال فيما أخرجه الترمذي: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة), وقال: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي, فيقولون: نعم, فيقول قبضتم ثمرة فؤاده, فيقولون: نعم, فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع, فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) [الترمذي]. فالروح باقية لا تفنى ولذلك عند رحيل الأحبة نستمر في عمارة الدنيا ،ونزيد من العمل الصالح ونهب ثواب أعمالنا إلى من رحل صغيراً كان أو كبيراً, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي ﷺ : إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم. [مسلم].
وأوضح أنه عندما مات أبو وكيع بن الجراح خرج في يوم وفاته في درسه اليومي وزاد أربعين حديثاً عما كان يحدث به كل يوم، وبعد ما دفن أبو يوسف ــ صاحب أبي حنيفة ــ ابنه, حضر مجلس أبي حنيفة بعد الدفن ليتعلم حتى يتجاوز الأحزان. فالمصيبة تعلمنا حقيقة الدنيا وأنها فانية وأنها متاعٌ قليل, قال تعالى: (مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا).
واسترسل: لنا في سيدنا رسول الله ﷺ أسوة حسنة حيث مات أبناؤه وأحباؤه في حياته ،حتى قال عندما مات إبراهيم : « تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ ».[مسلم] ، ومات حمزة وجعفر وزيد بن حارثة رضي الله عنهم وكانوا أحب الناس إليه فعلمنا كما علمنا القرآن: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) و”راجعون” تبين أن الموطن الأصلي للروح هو عند الله فمن هناك أتت تفضلاً ومنة, وإليه عادت حكمةً وفضلا.