هل تتخيل أن البعوض يمتلك القدرة على إيجاد الشخص مهما كان مكانه، وظروف نومه، وكذلك يستطيع أن يميز أشخاص عن أشخاص، وذلك عبر روائح محددة تخرج من جسد الإنسان نتيجة للطعام الذي تناوله في الفترة السابقة للنوم؟ .. نعم هذا ما توصلت إليه أحدث الدراسات الخاضة بالبعوض، في دراسات تهدف للقضاء على كوارث تلك الحشرة، والتي تتسبب بمقتل 600 إنسان سنويا.
وتلك الدراسة قد تمهد لقدرة الإنسان على إبعاد البعوض عنه، فكيفي أن يوافق على وضع رائحة كريهة للبعوض، والتي تنفره من الانجذاب لهذا الإنسان، وأصبح ذلك ممكنا بعد التقرير العلمي الذي نُشر في مايو، ونشرته اليوم صحيفة cnn الأمريكية، وقد ساعد العلماء في تحديد المواد الكيميائية المختلفة في رائحة الجسم التي تجذب هذه الحشرات من خلال بناء ساحة اختبار بحجم حلبة التزلج على الجليد وضخ روائح أشخاص مختلفين.
البعوض يحتاج الدم للتكاثر على حساب الإنسان
ويعد البعوض جزءًا من عائلة الذباب، فهو يتغذى في معظم الأحيان على الرحيق، ومع ذلك، فإن الإناث التي تستعد لإنتاج البيض تحتاج إلى وجبة تحتوي على بروتين إضافي وهو الدم، لذلك عندما يقوم البعوض بعض الإنسان، فإن السيناريو الأفضل هو أن التعرض للعض سيتركك مع نتوء أحمر مثير للحكة، ولكن لدغات البعوض غالبًا ما تكون مميتة، وذلك بفضل الطفيليات والفيروسات التي تنقلها الحشرات، والملاريا هي واحدة من أخطر هذه الأمراض، حيث يعد الملاريا مرضا ينتقل عن طريق الدم وتسببه طفيليات مجهرية تعيش في خلايا الدم الحمراء.
فعندما تلدغ البعوضة شخصًا مصابًا بالملاريا، فإنها تمتص الطفيل مع الدم، ويقول الدكتور كونور مكمينيمان ، الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة الجزيئي، والمناعة في كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة ومعهد جونز هوبكنز لأبحاث الملاريا في بالتيمور بعد التطور في معدة البعوض، إن الطفيل سينتقل إلى الغدد اللعابية ثم يُبصق مرة أخرى في جلد مضيف بشري آخر عندما يتغذى البعوض بالدم مرة أخرى،، لذلك ورغم أنه تم القضاء على الملاريا في الولايات المتحدة في القرن الماضي، فقد كان ذلك بفضل حواجز النوافذ وتكييف الهواء وتحسين أنظمة الصرف حيث يمكن أن تنمو يرقات البعوض المائية، لكن المرض لا يزال يمثل خطرًا على معظم أنحاء العالم.
الدراسة تحدد الرائحة الجاذبة للبعوض
ووفقا لما جاء بالصحيفة الأمريكية، فقد حددت الدراسة الجديدة الأحماض الكربوكسيلية كأحد العوامل التي تجعل البعوض أكثر انجذابًا لبعض البشر من غيرهم، ويقول ماكمينيمان، كبير مؤلفي الدراسة المنشورة في مجلة Current Biology: “لا تزال الملاريا تتسبب في أكثر من 600 ألف حالة وفاة سنويًا ، معظمها بين الأطفال دون سن الخامسة ، وكذلك النساء الحوامل، وإنها تسبب الكثير من المعاناة في جميع أنحاء العالم، وكان جزء من الدافع لهذه الدراسة هو محاولة فهم كيفية عثور البعوض الذي ينقل الملاريا على البشر.
والدراسة جاءت نتيجة قيام فريق بحثي مشترك بدولة زامبيا، عبر دراسة Anopheles gambiae، وهو نوع من البعوض الموجود في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويكمل ماكمينيمان حديثه قائلا: “لقد كنا متحمسين حقًا لمحاولة تطوير نظام يمكننا من خلاله دراسة سلوك بعوضة الملاريا الأفريقية في موطن طبيعي، يعكس موطنها الأصلي في إفريقيا، وقد أراد الباحثون أيضًا مقارنة تفضيلات رائحة البعوض عبر مختلف البشر، وذلك لملاحظة قدرة الحشرات على تتبع الروائح عبر مسافات 66 قدمًا (20 مترًا)، ودراستها خلال ساعات نشاطها الأكثر نشاطًا، بين الساعة 10 مساءً والساعة 2 صباحًا.
منشأة بحجم حلبة التزلج
وقد أنشأ الباحثون منشأة تم فحصها بحجم حلبة التزلج للمساعدة في فهم كيفية عثور البعوض الذي ينقل الملاريا على البشر، ولتحديد كل هذه المربعات ، أنشأ الباحثون مرفقًا محجوبًا بحجم حلبة التزلج، وقد كانت المنطقة المحيطة بالمنشأة عبارة عن ست خيام تم فحصها حيث ينام المشاركون في الدراسة، وتم ضخ الهواء من خيامهم، الذي يحمل رائحة التنفس ورائحة الجسم الفريدة للمشاركين، عبر أنابيب طويلة إلى المنشأة الرئيسية على وسادات ماصة، وتم تسخينه وطعمه بثاني أكسيد الكربون لتقليد الإنسان النائم.
وتم بعد ذلك معالجة مئات البعوض في المنشأة الرئيسية التي تبلغ مساحتها 20 × 20 مترًا ببوفيه من روائح الأشخاص النائمين، وقد تتبعت كاميرات الأشعة تحت الحمراء حركة البعوض إلى العينات المختلفة، مع ملاحظة أن البعوض المستخدم في الدراسة لم يكن مصابًا بالملاريا، ولم يتمكن من الوصول إلى البشر النائمين، وقد وجد الباحثون ما يشهد عليه الكثير ممن كانوا في نزهة، حيث يجتذب بعض الناس البعوض أكثر من غيرهم، علاوة على ذلك، كشفت التحليلات الكيميائية للهواء من الخيام عن المواد المسببة للرائحة وراء انجذاب البعوض، أو عدم وجوده.
تلك هي الروائح الجاذبة والطاردة للبعوض
ووفقا لما تم نشره من الدراسة، فقد كان البعوض أكثر انجذابًا إلى الأحماض الكربوكسيلية المحمولة جواً، بما في ذلك حمض الزبد، وهو مركب موجود في الأجبان “ذات الرائحة الكريهة”، مثل ليمبرغر، حيث يتم إنتاج هذه الأحماض الكربوكسيلية بواسطة البكتيريا الموجودة على جلد الإنسان ولا تميل إلى أن تكون ملحوظة بالنسبة لنا، بينما اجتذبت الأحماض الكربوكسيلية البعوض، وبدت الحشرات وكأنها تردع بواسطة مادة كيميائية أخرى تسمى eucalyptol ، وهي موجودة في النباتات، واشتبه الباحثون في أن عينة واحدة ذات تركيز عالٍ من الأوكاليبتول قد تكون مرتبطة بالنظام الغذائي لأحد المشاركين.
ويقول سيمولوندو ، أحد مؤلفي الدراسة، إن العثور على علاقة بين المواد الكيميائية الموجودة في رائحة أجسام الأشخاص المختلفين وجاذبية البعوض لتلك الروائح كان “مثيرًا للاهتمام ومثيرًا للغاية”، وأضاف: “يفتح هذا الاكتشاف طرقًا لتطوير إغراءات أو مواد طاردة يمكن استخدامها في الفخاخ لتعطيل سلوك البعوض الباحث عن العائل ، وبالتالي السيطرة على نواقل الملاريا في المناطق التي يتوطن فيها المرض”.