أكد الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، أن آيات سورة النساء- 105: 116- وإن كانت نزلت في بشير بن أبيرق السارق الخائن أو فيه وفي إخوته إلا أنها أصبحت قواعد عامة ومبادئ عالية لبناء عقل المسلم بناء صحيحا قويا.
قصة بشير بن أبيرق
وتابع من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: أصبح المسلم لا يكذب, وإن كان الامتناع عن الكذب يحتاج إلى صفاء النفس وإلى تربية مستديمة وإلى تهذيب دائم ومقاومة لشهوة الكذب, فإننا نرى كثيرا من الناس قد استحلوا الكذب بكل صوره واستهانوا بأمره بصورة فجة, وكأنه أصبح عندهم واجبا من الواجبات وفرضا لازما من الفروض.
وأضاف: استنبط الإمام الشافعي من آية (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ) حجية الإجماع وذلك بعد ما أعمل الفكر فيها وبحث عنها بعد قراءة القرآن ستين مرة, أخذا من قوله تعالى (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ) حيث إنه إذا أجمعت الأمة على حكم شرعي وهي معصومة من الخطأ فلا يجوز لأحد أن يخالف ذلك الحكم, حيث يعد ذلك اتباعا لغير سبيل المؤمنين, والإجماع هو الدليل الثالث من الأدلة الشرعية التي يعتمد عليها المجتهد في أثناء استنباطه الأحكام الشرعية; حيث إنه لا يمكن أن يتعداه ولا أن يخالفه.
وشدد على أن الإجماع من دلائل مرونة الشريعة الإسلامية وأنها صالحة لكل زمان وفي كل مكان; وذلك أن المساحة التي هي محل اختلاف بين الفقهاء وهي التي بنيت على الظن وليس على القطع هي مساحة الأحكام المتغيرة وهي المساحة الأوسع في الفقه الإسلامي الذي تعد فروعه أكثر من مليون ومائتي ألف فرع منها كما ذكر أبو إسحاق الإسفراييني.
قصة طعمة بني أبيرق
كما كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، عن جوانب العظم من قصة طعمة بني أبيرق المذكورة في القرآن الكريم.
وقال علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل وعظم شأنه وجعله من الأمور المطلقة, قال تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8].
وتابع علي جمعة: لقد أنزل الله سبحانه وتعالى آيات من سورة النساء في شأن تعظيم جريمة تضليل العدالة وعدها من الخيانة وأنها من طريق هو غير طريق المؤمنين, قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا * وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا * لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء:105-116],
ولفت علي جمعة أن هذه الآيات نزلت في بني أبيرق وكانوا ثلاثة أخوة، بشر وبشير ومبشر، ومعهم ابن عم لهم اسمه أسير بن عروة، سرقوا دروعا وطعاما من رجل يسمى رفاعة بن زيد، فجاء ابن أخ لرفاعة اسمه قتادة بن النعمان يشكو بني أبيرق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وجاء أسير بن عروة يدافع عنهم وأنهم أهل صلاح ودين وأن السارق هو لبيد بن سهل اليهودي, وكشف الله سبحانه وتعالى بالوحي لنبيه حقيقة الأمر.
وجاء بني أبيرق يعرضون علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يلصق التهمة باليهودي وأن يبرئ منها بشيرا المسلم, فرفض النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فهرب بشير إلى مكة وارتد عن الإسلام, فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته الحق والعدل وعدم نصرة المجرم الخائن وعدم ظلم الناس.