تعدّ النيجر من الدول العشر الأولى في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم، لكن هذه الثروة الطبيعية الهائلة، لم تمنعها من التردي في قائمة أفقر الدول، وأجّجت حولها المخاطر “الجيوسياسية” التي جعلتها اليوم تواجه شبح الحرب.
وبعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في 26 يوليو/تموز الماضي، شكّل اليورانيوم أحد المفاتيح لفهم الحدث وارتداداته في الغرب وفرنسا على وجه الخصوص، علمًا بأن النيجر زودت الاتحاد الأوروبي بأكثر من ربع احتياجاته من اليورانيوم عام 2022.
وقود يضيء فرنسا
تعدّ النيجر سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم وفقًا لبيانات الجمعية النووية الدولية، وكانت سابقًا حتى 2015 رابع أكبر منتج، لكن إنتاجها تراجع على مر السنين.
ولطالما واجهت فرنسا، المستعمر السابق، اتهامات بسرقة موارد النيجر، وتهيمن شركة “أورانو” الفرنسية حاليًا على معظم احتياطيات البلاد.
وفي السابق، قيل إن 3 من كل 4 مصابيح في فرنسا تضاء بواسطة اليورانيوم النيجري الذي يغذّي حوالي 56 مفاعلًا نوويًا موزعة على 18 محطة طاقة.
وتستمد فرنسا قرابة 70% من الكهرباء من الطاقة النووية.
ويغذيها اليورانيوم القادم من النيجر بأكثر من 20% من إجمالي احتياجاتها، وفقًا لبيانات الوكالة النووية الأوروبية (يوراتوم) (1440 طنًا من إجمالي 7131 طنًا استوردتها باريس في 2022).
أما الاتحاد الأوروبي فقد استورد من النيجر 25.4% من احتياجاته من اليورانيوم (2975 طنًا) في 2022 وفقًا لوكالة يوراتوم.
الفقر والغضب
بالرغم من هذه الثروة التي تمتلكها النيجر، فإنها تعدّ سابع أفقر دول العالم، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2023 بمعيار نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
وتشير التقديرات إلى أن 42% من السكان يعيشون في فقر مدقع، وأن 60% محرومون من خدمات متعددة؛ مثل: التعليم والرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي والسكن المناسب، فضلًا عن الكهرباء.
ومنذ انقلاب 26 يوليو/تموز الماضي، خرجت مظاهرات حاشدة في النيجر تؤيد المجلس العسكري، وتطالب فرنسا برفع يدها عن البلاد وإنهاء وجودها هناك، وامتدت الاحتجاجات الغاضبة إلى السفارة الفرنسية في نيامي.
وأيّد المتظاهرون تحرك المجلس العسكري، الذي يرون أنه خلّص النيجر من رئيس تدعمه فرنسا.
من يملك اليورانيوم؟
منجم “سومير” هو المنجم الوحيد الذي يعمل اليوم في النيجر، وتشغله شركة سومير المملوكة بنسبة 63.4% لشركة أورانو الفرنسية، و36.6% لشركة سوبامين التابعة لحكومة النيجر.
ويصف المنتقدون شركة أورانو بأنها الأداة التي استخدمتها فرنسا لاستغلال النيجر على مدى 40 سنة.
ويوجد في النيجر -كذلك- منجم “إيمورارين” الذي يحتوي على ثروة من أكبر احتياطيات اليورانيوم في العالم.
وتقول الشركة، إن العمل متوقف فيه لاعتبارات تتعلق بسعر المعدن، لكنّ بعض المنتقدين يتهمونها بالمماطلة في تفعيل عقد استغلاله.
وهناك -أيضًا- منجم “أكوتا”، وقد استنفدت الشركة جميع احتياطياته، وقررت إغلاقه في مارس/آذار 2021 (حتى 2021، استخرجت الشركة حوالي 75 ألف طن من اليورانيوم).
وذكرت تقارير أن الشركة لا تدفع رسومًا على صادرات اليورانيوم المستخرج من مناجم النيجر أو المواد والأدوات التي يجلبونها، وتدفع ضريبة 5% فقط على اليورانيوم المنتج، وذلك في حقبة ما بعد الاستعمار.
مخاطر الإشعاعات
تواجه فرنسا -أيضًا- اتهامات بالمسؤولية عن ترك النفايات المشعة خلفها، التي تشكّل كارثة كبرى لسكان النيجر.
فعندما يستخرج يورانيوم “الكعكة الصفراء” من اليورانيوم الخام، تخلّف العملية نفايات مشعّة.
وتشير التقديرات إلى أن شركة أورانو الفرنسية خلّفت 20 مليون طن من النفايات المشعة (296 فدانًا من النفايات في أكوام يبلغ ارتفاعها 35 مترًا)، وقد تُركت في العراء على مدى سنوات.
وانبعث من هذه النفايات غاز الرادون المشعّ نتيجة التحلل الطبيعي لليورانيوم، علمًا بأنه المسبب الثاني لسرطان الرئة في الولايات المتحدة.
وينتشر الغاز عبر رياح الصحراء المتربة ويلوث المياه والتربة، وقد يؤدي إلى التسمم الزراعي.
المصدر : الصحافة الفرنسية + رويترز + مواقع إلكترونية