أثار مصرع رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة الأربعاء الماضي تساؤلات عديدة حول مستقبل المجموعة السيئة السمعة، وقدرتها على مواصلة الدور الذي كانت تلعبه لتوسيع نفوذ موسكو وخدمة مصالحها في مناطق عديدة خاصة في أفريقيا.
وفي حين يرى بعض المراقبين والمحللين أن روسيا ستحافظ على نفوذها ومصالحها في القارة السمراء من خلال وضع فاغنر تحت قيادة جديدة، يجادل بعضهم بأن العلاقات الشخصية العميقة التي بناها بريغوجين ستجعل عملية استبداله بسرعة أمرا صعب المنال بالنسبة لموسكو.
وتكتسي أفريقيا أهمية كبرى بالنسبة لروسيا على المستويين الاقتصادي والسياسي، حيث تسعى موسكو لتوسيع علاقاتها في القارة وتقويض النفوذ الغربي في إطار بحث الكرملين عن حلفاء جدد لكسر العزلة التي فرضت عليه بسبب الحرب في أوكرانيا. وتعد الدول الأفريقية البالغ عددها 54 دولة أكبر كتلة تصويت في الأمم المتحدة، وقد عملت موسكو بنشاط على حشد دعمها لغزو أوكرانيا.
وقد لعبت فاغنر دورا محوريا لتحقيق ما تصبو إليه موسكو، حيث ساعدت -على سبيل المثال- في صيف هذا العام في تأمين إجراء استفتاء وطني في جمهورية أفريقيا الوسطى، الأمر الذي عزز سلطة رئيس البلد الأفريقي فوستان آرشانج تواديرا، كما دعمت جيش جمهورية مالي في تصديه للجماعات المسلحة التي تشكل تحديا لمالي وغيرها من دول الساحل الأفريقي. كما اتصل المجلس العسكري في النيجر بعد انقلابه على الرئيس المنتخب محمد بازوم بمنظمة فاغنر سعيا منه للحصول على مساعدة المجموعة الروسية في ظل التحديات التي يواجهها.
وأثارت أنشطة فاغنر تلك في القارة السمراء حفيظة الغرب، فصدرت تصريحات عديدة من قبل مسؤولين غربيين تحذر الدول الأفريقية من المجموعة العسكرية الروسية الخاصة، كان آخرها تصريح ليندا توماس غرينفيلد، السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة -الجمعة- التي قالت إن قوات فاغنر “تعمل على زعزعة الاستقرار، وقد شجعنا الدول في أفريقيا على إدانة وجودها وأنشطتها”.
استبدال فاغنر
نقلت وكالة رويترز عن الخبير لو أوزبورن، الباحث في مشروع “أوول آيز أون فاغنر” المختص في مراقبة فاغنر وأنشطتها، قوله إن قادة المجموعة العسكرية الروسية الخاصة بنوا علاقات في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى ويعرفون تضاريس المنطقة.
ويرى أوزبورن أن قادة فاغنر يتمتعون بعلاقات طيبة في أفريقيا ويمكنهم تمريرها لمنافس روسي آخر. ولن يكون من المستغرب أن تتولى منظمة جديدة المسؤولية عن فاغنر.
ويشير إلى أن شركات عسكرية روسية، مثل “ريدوت” و “كونفوي”، قد أعربت مؤخرا عن رغبتها في القيام بأعمال تجارية في أفريقيا.
وبحسب تقرير وكالة رويترز، فقد سعت “ريدوت” -التي أنشأتها وزارة الدفاع الروسية- إلى وضع مرتزقة فاغنر تحت سيطرتها.
وبعد التمرد الذي قاده بريغوجين في يونيو/حزيران الماضي، أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المرتزقة الخيار لتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية والاستمرار في الخدمة تحت قيادة أحد كبار قادة المجموعة هو أندريه تروشيف.
ولا يعرف على وجه التحديد عدد المرتزقة الذين تم قبولهم من طرف الوزارة، لكن تقارير إعلامية قدرت العدد ببضعة آلاف.
ويواجه الكرملين الآن تحديات في الحفاظ على الوجود الروسي القوي في أفريقيا الذي ساعد بريغوجين في تأسيسه.
ويرى عباس غالياموف، كاتب خطابات بوتين السابق، أن بريغوجين قد يكون سُمح له بمواصلة أنشطته بعد التمرد لأن السلطات الروسية كانت تحاول العثور على خليفة له يقوم بعمله.
وقال غالياموف إن القيادة الروسية كانت “تحتاج إلى بعض الوقت لإنشاء قنوات وآليات جديدة للسيطرة على المشاريع التي كان يديرها بريغوجين. وليس من المؤكد أن تكون قد نجحت في ذلك، وأن الكرملين قد يخسر بعضا من تلك المشاريع”.
وكانت وزارة الدفاع البريطانية قد علقت على خبر مصرع بريغوجين في تحطم الطائرة التي كانت تقله و7 آخرين من قادة فاغنر، بالقول إن “وفاة بريغوجين سيكون لها حتما تأثير كبير على استقرار مجموعة فاغنر”.
مصير مجهول
رغم أن بريغوجين أخبر قواته في بيلاروسيا أن مهمتهم الجديدة ستكون في أفريقيا، فإن عدة آلاف منهم قاموا بتدريب الجيش البيلاروسي قرب الحدود البولندية، مما دفع بولندا التي رأت في تلك الأنشطة تهديدا لأمنها، إلى تعزيز قواتها على الحدود مع بيلاروسيا.
وبحسب رويترز، فإنه كانت هناك مؤشرات على أن مرتزقة فاغنر كانوا يستعدون للعودة إلى روسيا.
ونقلت الوكالة عن مشروع هاجون البيلاروسي، الذي يراقب التحركات العسكرية داخل البلاد، قوله الخميس الماضي، إن صور الأقمار الاصطناعية أظهرت أن أكثر من ثلث الخيام في معسكر فاغنر قد تم تفكيكها، فيما يبدو أنه مؤشر على نزوح محتمل للمرتزقة من المعسكر الذي ضرب لهم بعد التمرد.
ورغم ذلك، فقد صرح الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، مؤخرا بأن بلاده ستستضيف حوالي 10 آلاف من مقاتلي فاغنر.
وقد قوبلت تلك التصريحات برفض قوي من المعارضة البيلاروسية التي تطالب بانسحاب فاغنر من بيلاروسيا.
وقالت زعيمة المعارضة المنفية سفياتلانا تسيخانوسكايا لوكالة أسوشيتد برس: “يجب أن يضع موت بريغوجين حدا لوجود فاغنر في بيلاروسيا، الأمر الذي سيحدُّ من التهديد الذي يواجهه بلدنا وجيرانه”.