حذرت خبيرة في الطاقة والبيئة من أن العالم قد دخل بالفعل عصر الكوارث الناجمة عن التغير المناخي، وهو ما يتطلب إعداد العدة لمواجهة مستقبل يتسم بظروف جوية شديدة القساوة.
وقالت الخبيرة أليس هيل -في مقال بمجلة فورين أفيرز الأميركية- إن علماء المناخ يعتقدون أن يوليو/تموز المنصرم ربما كان أكثر الشهور سخونة طوال الـ 120 ألف عام الماضية، وعلقت بأنه بالنظر إلى الوتيرة السريعة التي يحدث بها تغير المناخ، فإن الشهر الماضي يعطي لمحة لما ستصل إليه درجات الحرارة من ارتفاع في المستقبل.
ولفتت هيل -وهي باحثة في قضايا الطاقة والبيئة بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي- إلى أن زعماء العالم كانوا قد حددوا عام 2015 هدفا للحفاظ على متوسط درجات حرارة السطح العالمية من الارتفاع بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل عصر الصناعة من أجل تجنب التأثيرات الأكثر كارثية لتغير المناخ.
ويتوقع العلماء أن يكون 2023 العام الأكثر سخونة على الإطلاق. ورغم أن علماء المناخ توقعوا منذ فترة طويلة زيادة في الظواهر الجوية المتطرفة مثل سخونة الأجواء وهطول الأمطار بغزارة “إلا أن البعض أعربوا مؤخرا عن انزعاجهم إزاء السرعة الهائلة التي يتغير بها المناخ”.
درجات قياسية
ولعل “الانفجار المفاجئ” -كما تسميه هيل- لدرجات الحرارة القياسية يحمل في طياته نذيرا للبشرية، وهو إما “التأقلم” مع هذه المتغيرات أو “الموت”.
وذكرت الباحثة أن حجم الكوارث المناخية طوال هذا العام يؤكد مجددا أنه لم يعد كافيا للحكومات وصناع السياسات التركيز على التخفيف من وطأتها عبر تطوير إستراتيجيات للحد من الملوثات الضارة المنبعثة في الغلاف الجوي، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون والميثان.
بل يجب على العالم أيضا -بحسب مقال فورين أفيرز- إيلاء مزيد من الاهتمام بموضوع التأقلم، وتحديث البنية التحتية والسياسات اللازمة لتحمل الظروف المناخية المتطرفة.
وتحذر الكاتبة من مغبة تقاعس الحكومات والمجتمعات عن القيام بالاستعدادات الكافية، ذلك أن الآثار الضارة لتغير المناخ سوف تزهق الأرواح، وتبدد سبل العيش، وتقضي على المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
وتطرقت في مقالها إلى المؤتمر رقم 28 للأطراف الموقعة لاتفاق الأمم المتحدة الإطاري الخاص بتغير المناخ، المزمع عقده أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وحتى أوائل ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري، في الإمارات.
واعتبرت أن انعقاد المؤتمر يبشر بانعطافة فيما يتعلق بجهود الحد من آثار تغير المناخ، بينما لا تزال الكوارث المناخية تفعل فعلها حول العالم، ناصحة الحكومات بأن تتضافر جهودها لاتخاذ إجراءات أشد حزما مما فعلته في القمم السابقة.
التأقلم أو الهلاك
وتنقل الإحصائيات الصادمة لدرجات الحرارة الصورة الكاملة للتأثيرات المناخية، وتقول هيل “ارتفاع درجات الحرارة يعني فيضانات أعنف، وموجات حر أكثر سخونة وأطول مدة، وحرائق غابات أشد تدميرا، وموجات جفاف أعمق، وعواصف أكثر جموحا”.
ووفق الكاتبة، فإن الظروف المناخية الأكثر دفئا ورطوبة شكلت بيئة مناسبة لتوالد البعوض مما أتاح لتفشي حمى الضنك بمعدلات غير مسبوقة في بنغلاديش، وقد أسفر عن مقتل المئات وأصاب الكوادر الطبية بالإرهاق.
وأجبر الدخان الناتج عن حرائق الغابات الكندية -التي دمرت منطقة بحجم اليونان- ملايين الأميركيين والكنديين على البقاء في منازلهم تفاديا للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي.
كما دمرت حرائق الغابات، التي ألهبت نيرانها الرياح العاتية، جزيرة ماوي في هاواي، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 114 شخصا، وتدمير مدينة لاهينا التاريخية، ودفع السكان المحليين نحو المحيط هربا من النيران.
وحدثت كوارث مماثلة ناجمة عن هطول الأمطار بغزارة في نيودلهي مما تسبب في انهيارات طينية مميتة وفيضانات مفاجئة. وفي بكين “الجافة عادة” تسببت عاصفة أخرى في يوليو/تموز بسقوط أمطار هي الأغزر منذ 140 عاما.
السياسيون في واد
ويمضي مقال فورين أفيرز إلى التذكير بأن الزعماء السياسيين ما انفكوا حتى الآن يركزون إلى حد كبير -في مناقشتهم لتغير المناخ- على خفض نسب التلوث الضار الناجم عن حرق الوقود الأحفوري.
أما الجانب الآخر من الموضوع المتمثل في التأقلم أو الاستعداد لحوادث مناخية كارثية كتلك التي شهدناها هذا الصيف “فقد ظل يعاني من نقص في الموارد، وشح في التمويل، وغالبا ما يتم تجاهله”.
إن تسريع جهود التأقلم أو التكيف مع تغير المناخ يعد -في نظر الباحثة أليس- أمرا بالغ الأهمية، إذ لم تستعد أي دولة حتى الآن بالقدر الكافي لمواجهة هذه الظاهرة، حتى تلك التي قامت بالفعل باستثمارات كبيرة في هذا المجال.
وأشارت الكاتبة بهذا الصدد إلى الجهود التي بذلتها الصين لتحويل 80% من مناطقها الحضرية إلى “مدن إسفنجية” مصممة لزيادة امتصاص وإعادة استخدام مياه الأمطار بحلول عام 2030. وزعمت أن تلك الجهود لم تستطع التصدي لفيضانات هذا الصيف.
أولويات
وخلصت الكاتبة إلى أن هنالك مجالات رئيسية تتطلب اهتماما عاجلا من أجل مواجهة الظروف المناخية المتطرفة، أولها أن على الحكومات العمل على إنشاء أنظمة إنذار مبكر للتحذير من احتمال حدوث كارثة قادمة.
وثانيها أن على الدول أن تعمل على تعزيز قدرات للاستجابة عبر الحدود “فغالبا ما تكون الكوارث المتعلقة بالمناخ دولية، مما يجعل الاستجابة المنسقة للكوارث أمرا ضروريا”.
وثالثها أنه يتعين على صناع السياسات أن يلتزموا بسد فجوة الحماية التأمينية، أي الفارق بين ما يحتاج إلى التأمين ضد الكوارث المناخية وما تتم تغطيته فعليا.