بعد سرقة مئات القطع الأثرية..
قدم “هارتويغ فيشر” استقالته من منصبه كمدير المتحف البريطاني بسبب حدوث سرقات وفقدان قطع أثرية من مجموعة المتحف، وذلك نتيجة لعدم استجابة المؤسسة لتحذيرات بشأن التهديدات السرقة في عام 2021.
مجوهرات ذهبية
المسروقات تتضمن مجوهرات ذهبية وأحجار كريمة يعود تاريخها لعام 1500 قبل الميلاد.
ذكرت صحيفة “التليجراف” البريطانية أن عملية السرقة حدثت في عام 2019 على الأقل، عندما تم إغلاق المتحف أمام الجمهور لمدة 163 يومًا بسبب جائحة كورونا.
وتعليقًا على هذا الحدث، أشار الدكتور عبد الرحيم ريحان، خبير الآثار وعضو المجلس الأعلى للثقافة ولجنة التاريخ والآثار، إلى أن هذه السرقة تعكس نقص النزاهة في إدارة المتحف في الحفاظ على آثاره، وهي آثار تعود لشعوب أخرى يتم التباهي بها عندما تطالب تلك الشعوب بإعادة آثارها المنهوبة الموجودة في المتحف. المتحف البريطاني يحتوي على 13 مليون قطعة من 7 قارات تم جمعها منذ قانون إنشاء المتحف في عام 1753 وحتى الآن، وتم الحصول عليها من خلال عمليات التنقيب والشراء والتبرعات والهدايا من الأفراد والمؤسسات، بالإضافة إلى المقتنيات التي تم الحصول عليها نتيجة للنشاط الاستعماري البريطاني، والتي غالبًا ما تم استخراجها من بلدانها بطرق غير شرعية.
أثر الاستعمار البريطاني
وأشار الدكتور ريحان إلى أن الأكاديميين البريطانيين الذين ساهموا بشكل كبير في تشكيل المجموعة الضخمة للمتحف البريطاني لم يكن لديهم القدرة على الحصول على تلك الآثار لولا الاستعمار البريطاني الذي امتد إلى نصف الكرة الأرضية. وقد تسهل على الأكاديميين عمليات التنقيب والاستيلاء والنقل غير الشرعي لهذه الآثار.
وأخيرًا، يذكر الدكتور ريحان أن المتحف البريطاني يحتوي على تاريخ مصر يمتد لما يقرب من 11 ألف سنة، ويضم أكثر من 110 ألف قطعة أثرية مصرية، بما في ذلك مقتنيات من العصور قبل التاريخ وعصر مصر القديم والآثار المسيحية. تعتبر هذه القطع جزءًا لا يتجزأ من المجموعة القيمة للمتحف، ومن بينها مجموعة العالم سير هانز سلون، التي اشتراها البرلمان البريطاني وأهداها للمتحف، وتضم حوالي 160 قطعة أثرية مصرية جمعها سلون خلال زياراته لمصر.
وأضاف: بعد هزيمة الحملة الفرنسية على يد البريطانيين في عام 1801 وتوقيع معاهدة الإسكندرية، أصبحت المخطوطات العربية والتماثيل والمقتنيات الأثرية التي جمعها العلماء الفرنسيون خلال وجودهم في مصر ملكية عامة ولم تكن مملوكة للفرنسيين فقط. استولت القوات البريطانية على عدد كبير من الآثار المصرية، بما في ذلك حجر رشيد، الذي كان جاهزًا للعرض في المتحف بحلول عام 1803.
تحالفات دولية
وأشار الدكتور ريحان إلى أن خروج حجر رشيد من مصر كان نتيجة للتحالف بين فرنسا وبريطانيا والدولة العثمانية، حيث كانت مصر جزءًا من الدولة العثمانية في ذلك الوقت. على الرغم من أن النقل جرى رسميًا عن طريق معاهدة دولية، إلا أن السيطرة البريطانية المتفوقة في ذلك الوقت أتاحت لها نهب الآثار المصرية بشكل غير مستحق. بعد مغادرة نابليون بونابرت لمصر، تعرضت قوات الحملة الفرنسية لهجمات العثمانيين والإنجليز، وفي مارس 1801، هبطت القوات الإنجليزية في خليج أبو قير وتقدم الجنرال مينو مع قواته نحو شمال مصر، وأخذ معه جميع الآثار التي كانت قد جمعها العلماء الفرنسيون. ومع ذلك، تعرض للهزيمة في معركة أبو قير البحرية، وانسحبت القوات الفرنسية إلى الإسكندرية ومعها الآثار المصرية. ومن ثم تم نقل حجر رشيد إلى الإسكندرية ووضعه في مستودع باعتباره ممتلكات القائد الفرنسي مينو. وتم حصار القوات الفرنسية في الإسكندرية، وفي 30 أغسطس 1801، أعلن مينو الاستسلام وتم تسليم الآثار التي كانت بحوزة الفرنسيين وفقًا للمادة 16 من الاتفاقية إلى الجانب البريطاني.
وفيما يتعلق بانتقال الآثار إلى بريطانيا، قام الدبلوماسي “هنري سالت”، الذي عينته المملكة المتحدة قنصلًا لها في مصر في القرن التاسع عشر، بالاستيلاء على الآثار المصرية ونقلها إلى بريطانيا. وقد استعان بالمستكشف البريطاني جيمس بروس، الذي قاد حملة لجمع الآثار المصرية. تم تحويل هذه الآثار إلى المتاحف البريطانية، بما في ذلك المتحف البريطاني في لندن. ومنذ ذلك الحين، بذلت الحكومة المصرية جهوداً كبيرة لاستعادة هذه الآثار وإعادتها إلى مصر.
في الآونة الأخيرة، تمت محادثات واتفاقيات بين الحكومتين المصرية والبريطانية للتعاون في مجال استعادة الآثار المصرية المهمة التي توجد في المتاحف البريطانية. وتم إعادة بعض القطع الأثرية إلى مصر بالفعل، مثل نصوص الروشيد التي تم استعادتها وعرضها في المتحف المصري بالقاهرة في عام 2005.
على الرغم من ذلك، ما زالت هناك تحديات ومفاوضات تجري لاستعادة المزيد من الآثار المصرية المهمة. فقد تطلبت هذه العملية جهودًا دولية وتعاونًا بين الدولتين، وتتأثر بالقوانين والتشريعات المتعلقة بحماية الآثار والتراث الثقافي.
يجب الإشارة إلى أن استعادة الآثار المنتشرة في مختلف المتاحف حول العالم قد تستغرق وقتًا وجهودًا مستمرة، وعادةً ما تتم هذه العملية من خلال المفاوضات والتعاون بين الدول المعنية.
خلال القرن العشرين، استمرت عمليات التنقيب التي قام بها المتحف البريطاني في مصر بهدف زيادة استحواذه على العديد من الآثار المصرية. تضمنت هذه العمليات التنقيب دعم المتحف في أماكن مثل أسيوط في عام 1907 والأشمونين في عام 1908. لم يتوقف نهب المتحف البريطاني للآثار المصرية إلا بعد صدور قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983.
حجر رشيد
يعرض المتحف البريطاني الآن فقط 4% من المقتنيات المصرية التي يمتلكها في 7 قاعات. الباقي يوجد في المخازن، وتشمل الآثار التي سرقت من المتحف. بالإضافة إلى ذلك، يعرض المتحف حجر رشيد التي يُستخدم تجاريًا في صناعة منتجات مستنسخة منه، بما في ذلك الملابس التي تحمل رسومات الحجر والعلامات التجارية المستندة إليه، دون أي حقوق ملكية فكرية لمصر وفقًا لاتفاقية الملكية الفكرية. كما يعرض المتحف العديد من أحجار الغلاف الخارجي للهرم الأكبر بالجيزة وجزءًا من لحية تمثال أبو الهول ومجموعة كبيرة من المومياوات والتوابيت، والتي تعتبر أكبر مجموعة للمومياوات المصرية خارج مصر، بالإضافة إلى 99 لوحًا طينيًا من ألواح رسائل تل العمارنة المتعلقة بالملك إخناتون وتجسّد ملامح الحياة في مصر القديمة وعلاقاتها الدولية. وتضم المجموعة أيضًا تماثيل ومسلات نادرة لا يوجد لها مثيل في مصر حاليًا.
يشير الدكتور ريحان إلى الشخصية البريطانية “والاس بادج”، الذي كان منقبًا عن الآثار في مصر خلال القرن التاسع عشر. كان “والاس بادج” أحد أبرز ناهبي آثار مصر وقام بسرقة كتاب الموتى المعروف باسم “آني”، والذي عثر عليه في إحدى مقابر البر الغربي بالأقصر. وقام بتسجيل ما كان مكتوبًا على البردية بدقة، ثم قام بفكها ونقلها إلى بريطانيا بواسطة شحنات حربية رسمية. استخدم “والاس بادج” وسائل ملتوية مثل الكذب والتضليل والرشاوى للحصول على البردية.
تاثير كبير
يؤكد الدكتور ريحان أن سرقة الآثار المصرية من قبل المتحف البريطاني وغيره من المؤسسات والأفراد الغربيين في القرون الماضية كان لها تأثير كبير على الثقافة والتراث المصري. وتعد مطالبة مصر بإعادة هذه الآثار جزءًا من جهودها لاستعادة تراثها المنهوب.
منذ فترة طويلة، تقدمت مصر بالعديد من الطلبات لاستعادة الآثار المنهوبة إلى بلادها. ومن أجل ذلك، قامت بتشكيل لجان خاصة وتبادل المعلومات مع المؤسسات والحكومات الأجنبية لتسهيل عملية إعادة الآثار المسروقة. وقد تمكنت مصر من استعادة بعض ال