أكد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن معارضة بلاده الشديدة لخيار اللجوء إلى استعمال القوة لحل الأزمة في النيجر يكمن في التداعيات الخطيرة والوخيمة والأكيدة التي سيخلفها أي تدخل عسكري على النيجر وعلى المنطقة برمتها، فضلاً عن انعدام فرص نجاح هذا الخيار في تحقيق الأهداف المنشودة.
جاء ذلك خلال اللقاء الصحفي، الذي عقده مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، اليوم الثلاثاء، بالجزائر العاصمة، حول تطورات منطقة الساحل الإفريقي ولا سيما النيجر.
وأشار إلى أن النيجر عادت إلى كابوس الانقلابات الذي كان يظن أن عهده قد ولى وأن صفحته قد طويت نهائياً، لتدخل من جديد في أزمة سياسية ودستورية ومؤسساتية، بعدما كادت تنفرد في المنطقة من حيث إر ساء قواعد الديمقراطية ودولة الحق والقانون، من خلال نجاحها في تحقيق أول انتقال ديمقراطي للسلطة بين رئيسين منتخبين في السنوات الأخيرة، وهي الدولة التي كونت لدى الجميع قناعة أنها أدارت ظهرها نهائيا لعهد الانقلابات العسكرية التي عرفت في تاريخها خمسة منها، وكانت تنعم على خلاف جوارها باستقرار أمني ومؤسساتي لافت، وشرعت في شق طريقها نحو التنمية والرفاه بعدما كانت تُحسب في تعداد الدول الأكثر فقرا في العالم.
وأضاف أنه منذ اللحظة الأولى لنشوب هذه الأزمة، حدد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، موقف الجزائر منها بكل “وضوح ودقة وصرامة”، من خلال إدانة ورفض التغيير غير الدستوري في النيجر، تماشياً مع مقتضيات الإطار القانوني الإفريقي الذي يحظر ويرفض التغييرات غير الدستورية للحكومات، والمطالبة بالعودة إلى النظام الدستوري واحترام المؤسسات الديمقراطية في البلاد، فضلا عن التأكيد أن محمد بازوم يبقى الرئيس الشرعي للبلاد والدعوة إلى تمكينه من استئناف مهامه بصفته الرئيس الشرعي المنتخب للنيجر.
ونوه بأن الموقف الجزائري تجاه أزمة النيجر شمل أيضا التأكيد على حتمية إعطاء الأولوية للحل السياسي واستبعاد خيار اللجوء للقوة بالنظر لما قد يفضي إليه هذا الخيار من عواقب وخيمة على النيجر وعلى المنطقة برمتها، والتأكيد على استعداد الجزائر ورغبتها في المساهمة في الجهود الرامية لبلورة الحل السياسي المنشود لإنهاء الأزمة في النيجر.
وتابع وزير الخارجية الجزائري، أن السمة الرئيسية للموقف الجزائري حول الأزمة في النيجر، تتمثل في كونه يجمع بطريقة حكيمة ورصينة بين رفض أمرين اثنين: رفض التغيير غير الدستوري ورفض اللجوء إلى القوة لمعالجة الأزمة الناتجة عنه، مشيرا إلى أن قناعة بلاده تبقى راسخة بأن الحل الوسط بين الأمرين لا يمكن أن يكون إلا عن طريق العمل على توفير الشروط الضرورية لإطلاق مسار سياسي ينهي الأزمة وفق ما تمليه المصلحة العليا للنيجر وشعبه الشقيق، وكذلك مصالح كافة دول وشعوب المنطقة.
وأضاف وزير الخارجية الجزائري أنه بناء على هذا الموقف، وبتوجيه مباشر من الرئيس الجزائري وتحت متابعته الدائمة، فقد بادرت الجزائر بإجراء اتصالات ومشاورات مع مختلف الأطراف الفاعلة سواء داخل النيجر أو خارجه، للمساهمة في تهدئة الأوضاع وتشجيع التفاف الجميع حول الخيار السياسي بصفته الحل الأمثل لإنهاء الأزمة ودرء أخطارها على النيجر وعلى المنطقة.
وبحسب وزير الخارجية الجزائري، شملت هذه التحركات الدبلوماسية؛ الاتصال الذي أجراه مع وزير خارجية جمهورية النيجر، في اليوم الأول للانقلاب العسكري، والذي أكد فيه رفض الجزائر التام للانقلاب وتضامنها الكامل مع الرئيس الشرعي للبلاد، محمد بازوم، والمطالبة بإخلاء سبيله وتمكينه من ممارسة مهامه بصفته الرئيس الشرعي للبلاد، وكذلك المشاورات التي أجراها الرئيس الجزائري مع قادة كل من نيجيريا وبنين، عن طريق المبعوث الخاص لرئيس نيجيريا والاتصال الهاتفي الذي تلقاه من رئيس جمهورية بنين، وإيفاده مبعوثين خاصين له إلى كل من النيجر، من جهة، وثلاث دول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، من جهة أخرى، وهي: نيجيريا وبنين وغانا.
واستطرد قائلا إن الهدف الرئيسي من هذه الاتصالات والمشاورات هو بناء زخم إقليمي ودولي حول الخيار السياسي لحل الأزمة القائمة في النيجر، واستبعاد خيار اللجوء لاستعمال القوة .
وأضاف وزير الخارجية الجزائري أنه لا شك أن تاريخ المنطقة حافل بالتجارب المريرة التي أثبتت ولا تزال الآثار الكارثية التي تولدت عن التدخلات العسكرية كالعراق وسوريا وليبيا والصومال وهو ما يكفي من العبر والدروس التي يتوجب الاحتكام إليها لضبط النفس وتوخي الحذر والتحلي بالصبر في التعامل مع الأزمة الحالية في النيجر.