قالت صحيفة “فزغلياد” الروسية إن وقوع انقلابات عسكرية عدة في دول أفريقية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة له دلالات عديدة، حيث أدت تصرفات فرنسا والغرب بشكل عام إلى أن تجد باريس نفسها في موقف لا تحسد عليه على الإطلاق.
وأضافت الصحيفة أن ما يلفت الانتباه في الانقلاب هو أنه حدث بالتزامن مع إعادة انتخاب علي بونغو رئيسا لولاية جديدة.
وأوضحت أن بونغو وبرغم اتباعه ظاهريا لجميع الإجراءات الديمقراطية، فقد كرّس حكم الأسرة، حيث استولى على السلطة من والده عمر بونغو، الذي حكم البلاد من 1967 إلى 2009، وبعد أن حصل على منصبه رئيسا للدولة، حرص على ألا يتجاوزه أحد.
مسوغات
ووفق تقرير فزغلياد، كان لدى الخبراء الغربيين أسباب للشك في فوز بونغو، حيث لم يُسمح للمراقبين الدوليين بالمشاركة في الانتخابات، كما كانت هناك أسباب للاعتقاد بأن عملية فرز الأصوات لم تكن صحيحة تماما.
إلى جانب ذلك، أوقفت السلطات الغابونية خدمة الإنترنت أثناء الانتخابات (بدعوى مكافحة الشائعات غير المرغوب فيها، والدعوات إلى العنف)، كما أوقفت بث بعض القنوات التلفزيونية الأجنبية، وفرضت حظر التجول.
وأفادت الصحيفة الروسية أن الغابون تُعدّ واحدة من أغنى الدول في أفريقيا، لكن فئة قليلة هي التي ظلت تستفيد من هذه الثروة، حيث إن نحو ثلث السكان تحت خط الفقر. وأبرزت أن المصدر الرئيس للدخل هو النفط، الذي يمثل نحو 70.5٪ من الصادرات و38.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، كما تحظى غابات الغابون الشاسعة بأهمية كبيرة، حيث إنها “الرئة الثانية للكوكب” بعد غابات الأمازون.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان يشتكي يوم الاثنين الماضي، من “وباء” الانقلابات العسكرية في المستعمرات الفرنسية السابقة في أنحاء أفريقيا.
ونقلت الصحيفة عن الزعيم اليساري الفرنسي البارز، جان لوك ميلانشون، قوله على شبكات التواصل الاجتماعي “لم تتمكن الغابون من التخلص من رئيسها إلا بمساعدة الجيش، لقد دعم ماكرون شخصا لا ينبغي له دعمه، لقد طوى الأفارقة الصفحة”.
روسيا
وأشارت فزغلياد إلى أنه عندما يبدأ الغرب في التذمر من الديمقراطية، ويدوس بقدميه الحكومة الجديدة ويهددها، فإنه يتفاجأ بحقيقة أن الحكومة الجديدة ترسله إلى مكان بعيد جدا، وتبحث عن شركاء في الدول التي لا تهدده والمستعدة لبناء حوار بشكل محايد، خاصة البلد الذي يعدّه الغرب عدوه اللدود، أي روسيا.
لذلك عندما اندلعت أعمال الشغب في الغابون بعد انتخابات 2016 وأعلن المنافس الرئيس لبونغو، جان بينغ، أن نتائج الانتخابات زُوّرت وحاول تنصيب نفسه رئيسا، تململ الغرب لكنه استوعب ما كان يحدث، ولم يقم بأي رد فعل.
والآن، بعد أن تم التخلص من علي بونغو، الذي كان مناسبا لكثيرين، فإن الآفاق ليست مشرقة بأي حال من الأحوال. وعلى سبيل المثال، اضطرت شركة “إيراميت Eramet” الفرنسية بالفعل إلى تعليق نشاطاتها في الغابون، وهي شركة تستخرج المنغنيز المعدني الإستراتيجي، وتمتلك -أيضا- خطا رئيسا للسكك الحديدية في الغابون.
وذكرت فزغلياد أنه ليس من المستغرب أن تدين فرنسا الانقلاب العسكري، خاصة وقد تمكن علي بونغو من تسجيل مقطع مرئي يدعو فيه المجتمع الدولي إلى المساعدة.
وضع فرنسا
يعتقد الفرنسيون -تضيف فزغلياد- أن دولا أفريقية عدة؛ بينها: مالي وبوركينا فاسو والنيجر والآن الغابون، وقعت ضحايا انقلابات عسكرية، حيث انتقد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند “عدم وجود رد فعل واضح، بما في ذلك من جانب فرنسا، بدءا من اللحظة التي حدث فيها الانقلاب الأول في مالي، وذلك يشبه القبول بما حدث”.
وذكرت الصحيفة الروسية أن هولاند إذا كان يقصد بـ”رد الفعل الواضح” أفعالا مثل مقتل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في ليبيا، فينبغي لنا القول إن الإطاحة بالقذافي أدت إلى انهيار البنية الأمنية برمتها في شمال أفريقيا، وأدت إلى عواقب وخيمة لم يتم تسويتها بعد.
وأكد تقرير فزغلياد أنه من الواضح أن فرنسا متضررة من ماضيها الاستعماري، وهناك رغبة قوية في إعطاء الانطباع بأنها قوة لا يستهان بها، لذلك فإنها ستطالب بإعادة بونغو إلى مكانه رغم كل الادعاءات الموجهة ضده.
وبالطبع في حالة الرفض -تتابع الصحيفة الروسية- ستفرض فرنسا عقوبات، وبعد ذلك سوف تتساءل مرة أخرى: لماذا لا يستطيع الجميع في أفريقيا تحملها، ولا يريدون أن يكون لهم أي علاقة بها بعد الآن؟