حذر خبراء ومختصون في الطب النفسي في حديثهم لبرنامج “موازين” من انتشار الأمراض النفسية في العالم العربي نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ودعوا إلى الاهتمام بالصحة النفسية للأفراد وبالأبحاث والدراسات المتعلقة بهذا المجال.
وكشفت دراسات علمية صادرة عن منظمات دولية ومحلية عن تغلغل واضح للأمراض النفسية في العالم العربي، خاصة خلال السنوات الأخيرة، وعزت هذه الدراسات السبب في هذا الحال إلى الحروب وتراجع الاقتصادات، وهو ما أكد عليه أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية المهدي مبروك بقوله إن الفرد العربي أصبح عرضة للهشاشة النفسية نتيجة بسبب الأوضاع التي يعيشها العالم العربي، خاصة الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وحصر مبروك أسباب انتشار الاضطرابات النفسية في البلدان العربية في 4 نقاط: الآثار النفسية والاجتماعية التي تركها وباء كورونا والظروف المعيشية الصعبة، ومنها ارتفاع الأسعار والبطالة، والظروف السياسية التي أدت إلى تقلص الحريات، والانتكاسة التي أحاطت بثورات الربيع العربي.
أما النقطة الرابعة التي تتسبب في انتشار الأمراض النفسية فتتعلق بالفشل في أساليب التربية والتنشئة الاجتماعية، إذ تتولد لدى الأسر ترسانة من الوسائل الضاغطة التي لا تتيح الحوار والمرافقة النفسية أثناء الأزمات.
ورفض ضيف حلقة (2023/5/17) من برنامج “موازين” الربط بين الثروة والسعادة وبين الفقر والشقاء، فالشخص يمكن أن يشعر بالقلق والوحدة والإحباط رغم ثروته الضخمة، والدليل على ذلك أن نجوما في الفن السابع وفي كرة القدم كانت نهايتهم حزينة ولم يتمتعوا بالسعادة، ومثال على ذلك مارلين مونرو نجمة هوليود التي لم تشعر بالسعادة رغم جمالها الفائق وثرائها.
فالحصانة النفسية والقيمية (القيم) للإنسان مع توفير الحد الأدنى من الاحتياجات يمكن أن تمنحه أرضية مناسبة للشعور بالسعادة، كما أنها قد تكون في الاعتناء بطفل يتيم.
من جهته، أكد استشاري الطب النفسي عادل الزايد أن المجتمعات التي تتمتع بالرفاهية ليست بمعزل عن الأمراض النفسية، وضرب مثالا على ذلك السويد التي ترتفع فيها معدلات الانتحار رغم الرفاهية التي توفرها الدولة للأفراد.
كما رأى رئيس جمعية العلوم النفسية في الأردن عاطف القاسم في مداخلته ضمن برنامج “موازين” أن الدراسات النفسية العربية لا توازي الدراسات النفسية الغربية، لا من حيث الكم ولا من حيث النوع، فلا توجد مراكز دراسات علمية متخصصة ولا يتوفر دعم للبحث العلمي رغم وجود باحثين في مجال الطب النفسي.
من جهة أخرى، حذر الأستاذ مبروك -وهو أيضا وزير الثقافة التونسي الأسبق- من أن الإدمان المفرط على التكنولوجيا -خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي- يدخل ضمن دائرة الأمراض النفسية، حيث تلعب هذه التكنولوجيا دورا مهما جدا في انتشار مظاهر القلق والتوتر والإحباط والانطواء، والتي قد تؤدي إلى أمراض نفسية وعقلية.
وبشأن واقع دراسات الصحة النفسية في العالم العربي، تأسف الدكتور الزايد -وهو أيضا مدير مركز علاج الإدمان في الكويت- من تدني الواقع العلمي في المجتمعات العربية، وهو ما انعكس على مستوى الأبحاث والدراسات، مشيرا إلى أن ما يصرف على التعليم موجه إلى الشكل وليس إلى المضمون، أي إلى المباني والخدمات والميزات التي يحصل عليها الطالب.
ويضيف أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية أنه رغم انتشار الأمراض والاضطرابات النفسية فإن ما ينشر في العالم العربي بشأن الصحة النفسية ضئيل جدا، وفي تونس لا يتجاوز عدد الأصابع، وميزانيات الصحة العمومية تتراجع من سنة إلى أخرى في تونس والجزائر وغيرهما من بلدان شمال أفريقيا، وآخر الأقسام التي تدشن في المستشفيات هي أقسام الطب النفسي.
وقال الأستاذ التونسي إن مقابل النقص الفادح في الإنتاج العلمي حول السلام النفسي هناك إقبال من العرب على ما تسمى “التنمية البشرية” وعيادات اليوغا وغيرهما.
وبشأن طرق حماية الفرد العربي نفسه من الضغوطات والأمراض النفسية، أشار استشاري الطب النفسي إلى أهمية التمرين الذاتي على كيفية التعامل مع الواقع والمتغيرات التي تحدث فيه، والتوكل على الله سبحانه وتعالى الذي بيده الأمر.