ورد في كثير من النصوص بالكتاب العزيز والسُنة النبوية منزلة ومقام أولياء الله الصالحين العظيمة ، التي تجعلهم في مأمن وإن اشتد البلاء والهلاك حولهم، فقال الله تعالى : ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، ولعل هذا ما يثير أهمية معرفة كيف تكون من أولياء الله الصالحين لتنعم بمحبته سبحانه وتعالى، ولتنجو من هلاك الدنيا وعذاب الآخرة، فلئن تكون واحدًا ممن نالوا رضوان الله تعالى وصاروا أحبته عز وجل فإنه لأمر جلل ، لذا ينبغي معرفة كيف تكون من أولياء الله الصالحين ؟.
كيف تكون من أولياء الله
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو نبراس الهدى ومصباح الظلام.
واستشهد «جمعة» عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في تحديده كيف تكون من أولياء الله الصالحين؟، بما اخرج البخارى عن سيدنا ابى هريرة رضى الله عنه تعالى قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ ».
وأوضح أن هذا الحديث هو أعلى ما روى فى شأن الولى عن النبى -صلى الله عليه وسلم- ، ربنا يأمرنا أان نوالي أولياء الله، وألا نبارزهم بالإهانة والحرب، ومن بارز أولياء الله بالإهانة والحرب فإنه يكون مواليًا لأعداء الله، والله سبحانه وتعالى أمرنا ألا نوالى أعداء الله، فعلينا إذن أن نمتثل لحب أهل الله لأن حب أهل الله لا يكون ألا من حب الله سبحانه وتعالى.
وأشار إلى أن أعلى الأولياء فى هذه الامة هو سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- ، فهو خير ولى كما انه خير نبى، وهو لنا مثل الوالد للولد وهو -صلى الله عليه وسلم- المقياس والمعيار الذى إذا أردنا لهذه الحياة الدنيا أن تسير على مراد الله لاتبعناه (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).
وأضاف أن أولياء الله عبر التاريخ حاولوا أن يكونوا فى ظاهرهم وباطنهم مثل سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، حتى انهم كانوا يلتمسون أخلاقه وأوامره ونواهية ومشيته، وهيئته وسمته فى مأكله ومشربه، فيقول الامام السيوطى : إن من رحمة الله بالعباد أن أوجد فيهم أولياءه وأصفياءه.
وتابع: فإنهم يدعون الله فيستجيب فيستقر الخلق ويؤمنون بالله ويعلمون أن وراء هذا العالم خالقا قادرًا حكيما يستجيب الدعاء، وأنه فرض على الأمة أن يخلص منها بعضهم حتى يلتجأ إلى الله بالليل والنهار، لا يفتر لسانه عن ذكر الله ولا قلبه عن التعلق به سبحانه وتعالى، يخرج الدنيا من قلبه لتكون فى يده حتى يلجأ إليه الناس، حتى يفزع إلى الدعاء فإذا سأل الله أعطاه، وإذا استعاذه أعاذه وإذا دعاه أحبه وقربه إليه.
وأوصى قائلاً: عودوا إلى حب أولياء الله، من الأتقياء والأنقياء ومن أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعترته رجالا ونساءاً وعلماء وأتقياء فإن هذا هو الصراط المستقيم وهو المنهج الذى نستطيع به أن نلم شعثنا.
من هم أولياء الله
وقد ورد أنه حرَّمَ اللهُ إيذاءَ المُؤمِنِ بغيْرِ حقٍّ، وتَوعَّدَ المُجترئَ على ذلك بالعِقابِ الأليمِ في الدُّنيا والآخِرةِ، ويَزدادُ التَّحريمُ شِدَّةً، ويَزدادُ الوعيدُ بالعقابِ خُطورةً؛ إذا كان الواقعُ عليه الإيذاءُ أحدَ الصَّالحينَ، وفي هذا الحديثِ القُدسيِّ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: «مَن عادى لي وَلِيًّا»، أي: ألحق الأذى بوَليٍّ مِنَ أولياءِ اللهِ، والوَلِيُّ: هو المُؤمِنُ التَّقيُّ، العالِمُ باللهِ تعالَى، المواظِبُ على طاعتِه، المُخلِصُ في عِبادتِه.
وأفاد بأنه هو أيضًا مَن يَتولَّى اللهُ سُبحانَه وتعالَى أمْرَه ولا يَكِلُه إلى نفْسِه لَحْظةً، بلْ يَتولَّى الحقُّ رِعايتَه، أو هو الذي يَتولَّى عِبادةَ اللهِ وطاعتَه، فعِباداتُه تَجْري على التَّوالي مِن غيْرِ أنْ يَتخلَّلَها عِصيانٌ، فمن عادى وَلِيَّ اللهِ، فقدْ أعلَنَ اللهُ سُبحانَه الحربَ عليه، وهذا فيه الغايةُ القُصوى مِنَ التَّهديدِ؛ إذ مَن حارَبَه اللهُ وعامَلَه مُعاملةَ المحارِبِ، فهو هالكٌ لا مَحالةَ، ومَن يُطيقُ حرْبَ اللهِ؟!.
واستطرد: ثم قال الحَقُّ سُبحانَه: «وما تَقرَّبَ إليَّ عَبْدي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افترَضْتُه عليه»، أي: أوجَبْتُه عليه؛ فالصَّلَواتُ الخَمسُ أحَبُّ إلى اللهِ مِن قيامِ اللَّيلِ، وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ النَّوافِلِ، وصِيامُ رَمَضانَ أحَبُّ إلى الله من صيامِ الاثنينِ والخميسِ، والأيَّامِ السِّتَّةِ مِن شَوَّالٍ، وما أشبَهَها؛ فالفَرائِضُ أحَبُّ إلى اللهِ وأوكَدُ.
وواصل: «وما يَزالُ عَبْدي يَتقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافلِ» مع الفرائضِ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ، وغيرِهما من أعمالِ البِرِّ والطَّاعةِ التي ليست من الفريضةِ؛ فالنَّوافِلُ تُقَرِّبُ إلى اللهِ، وهي تُكَمِّلُ الفرائِضَ، فإذا أكثَرَ الإنسانُ مِنَ النَّوافِلِ مع قيامِه بالفرائِضِ، نال محبَّةَ اللهِ، فيُحِبُّه اللهُ، وإذا أحَبَّه كان اللهُ سُبحانَه سَمْعَه الَّذي يَسمَعُ به، وبَصَرُه الذي يُبصِرُ به، ويَدَهُ التي يَبطِشُ بها، ورِجْلَه التي يَمْشِي بها.
وبين أنه يعني أنَّه يكونُ مُسَدِّدًا له في هذه الأعضاءِ الأربعةِ؛ يُسَدِّدُه في سمعِه، فلا يَسمَعُ إلَّا ما يُرضِي اللهَ، ويُسَدِّدُه في بَصَرِه، فلا يَنظُرُ إلَّا إلى ما يحِبُّ اللهُ النَّظَرَ إليه، ولا ينظُرُ إلى المحَرَّمِ، ويُسَدِّدُه في يَدِه، فلا يعمَلُ بيَدِه إلَّا ما يُرضي اللهَ؛ لأنَّ اللهَ يُسَدِّدُه، وكذلك رِجْلُه، فلا يمشي إلَّا إلى ما يُرضي الله؛ لأنَّ اللهَ يُسَدِّدُه، فلا يسعى إلَّا إلى ما فيه الخيرُ.
وأكمل: وإن سأل اللهَ شيئًا فإنَّ اللهَ يعطيه ما سأل، فيكونُ مُجابَ الدَّعوةِ، ولئنِ استعاذ باللهِ ولجأ إليه طلَبًا للحمايةِ، فإنَّ اللهَ سُبحانَه يُعيذُه ويحميه ممَّا يَخافُ، «وما تردَّدتُ عن شَيءٍ أنا فاعلُه تَردُّدي عن نفْسِ المُؤمِنِ» وليْسَ هذا التَّردُّدُ مِن أجْلِ الشَّكِّ في المصلحةِ، ولا مِن أجْلِ الشَّكِّ في القُدرةِ على فِعلِ الشَّيءِ، بلْ هو مِن أجْلِ رَحمةِ هذا العبدِ المُؤمِنِ، ولهذا قال اللهُ تعليلًا لهذا الترَدُّدِ: «يَكْرَهُ المَوْتَ» لِمَا فيه من الألمِ العظيمِ، «وأنا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»؛ لِمَا يَلْقَى المُؤمِنُ مِن الموتِ وصُعوبتِه.
وبه إلى أن العَبدُ الذي صار محبوبًا للحَقِّ مُحِبًّا له، يتقرَّبُ إليه أولًا بالفرائِضِ، وهو يحِبُّها، ثمَّ اجتهد في النَّوافِلِ التي يحِبُّها ويحِبُّ فاعِلَها، فأتى بكُلِّ ما يقدِرُ عليه من محبوبِ الحَقِّ، فأحبَّه الحَقُّ لفِعْلِ محبوبِه من الجانِبَينِ بقَصْدِ اتفاقِ الإرادةِ؛ بحيث يحِبُّ ما يحِبُّه، ويكرَهُ ما يكرَهُه محبوبُه، والرَّبُ يكرَهُ أن يَسُوءَ عَبْدَه ومحبوبَه، فلَزِمَ مِن هذا أن يَكرَهَ الموتَ؛ ليزدادَ مِن محابِّ محبوبِه.
ولفت إلى أن اللهُ سُبحانَه وتعالى قد قضى بالموتِ، فكُلُّ ما قضى به فهو يريدُه، ولا بُدَّ منه؛ فالرَّبُّ مُريدٌ لِمَوتِه لِما سبق به قضاؤُه، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءةِ عَبدِه، وهي المَساءةُ التي تحصُلُ له بالموتِ؛ فصار الموتُ مُرادًا للحَقِّ مِن وَجهٍ، مَكروهًا له من وجهٍ، وهذا حقيقةُ الترَدُّدِ، وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن إيذاءِ أولياءِ اللهِ. وفيه: التَّرغيبُ في حُبِّ أولياءِ الرَّحمنِ، والاعترافِ بفَضْلِهم. وفيه: أنَّ أحَبَّ الأعمالِ فِعلُ الفرائضِ، وأفضلُ القُرُبات بَعْدَها فِعلُ النَّوافلِ. وفيه: دلالةٌ على شَرَفِ الأولياءِ ورِفعةِ مَنزِلَتِهم.