مراكش– داخل قاعة العمليات الكبرى بالمركز الجهوي لتحاقن الدم بمدينة مراكش جنوبي المغرب، تمد الشابة نهيلة أوقاسي يدها إلى الممرضة للتبرع بالدم لصالح المصابين في زلزال الحوز.
على وجهها علامة رضا بادية للعيان، وإلى جانبها العشرات من المتبرعين يبادلونها نفس الشعور وأكثر، بينما يقف آخرون ينتظرون دورهم بتلهف واضح.
قالت نهيلة للجزيرة نت “لم أتردد لحظة واحدة في القدوم إلى المركز، ما عشته خلال الزلزال مساء الجمعة من فزع بمنزلنا بمدينة تمنصورت الملاصقة لمدينة مراكش لا يوصف، وإمكانية سقوطي ضحية لم يفارق بالي”. وأضافت “تبرعت بالدم وقد يبدو أني منحت قطرات قد تنقذ روحا، لكن في الواقع، هذا العطاء خفف من روعي”.
توافد كثيف
قبل نهيلة توافد على المركز منذ الساعات الأولى من صباح السبت المئات من المواطنين من المدينة وخارجها، مغاربة وأجانب أيضا.
وعاينت الجزيرة نت علامات التأثر البالغ على ملامح مسنين لم تسمح ظروفهم الصحية بالتبرع بالدم، بينما أصرت شابة أجنبية قالت إنها ممرضة، على تقديم المساعدة الطبية بعد تبرعها بالدم، قبل أن تتراجع وتخضع للبروتوكول الصارم للمركز وتكتفي بتقديم المياه المعدنية للمتبرعين.
وقال الشاب عبد الإله العيداوي للجزيرة نت، إنه قدِم مسرعا من مدينة ابن جرير (70 كيلومترا عن مراكش)، للتبرع بالدم حتى لا يفوته أجر مساعدة محتاج ثم يعود راشدا.
وذكر أن هذا الاكتظاظ الذي هو دليل على تجذر قيم التضامن في شعور المغاربة ووعيهم، مشيرا إلى أن المعادن الطيبة تظهر في وقت الشدة.
وكان هذا الشاب يرغب في الذهاب إلى بؤرة الزلزال لتقديم المساعدة، غير أن تعليمات رجال الوقاية المدنية بعدم الاقتراب من المنطقة لتسهيل مهام الإنقاذ حالت دون تحقيق رغبته.
فوق الحاجة
بين الحين والآخر، تنبعث أصوات صفارات إنذار سيارات الإسعاف لتنبيه المارة من أجل إفساح الطريق لنقل المصابين إلى قسم المستعجلات بمستشفى محمد السادس القريب من المركز.
ويوضح مصدر طبي أن عدد المصابين الذين يحتاجون لنقل الدم فورا قد فاق الـ200، مشيرا إلى أن إقبال المتطوعين على التبرع سمح بجمع أكياس من الدم فوق الحاجة.
ومن جانبها قالت مديرة المركز الجهوي لتحاقن الدم، سميرة الفزاني، للجزيرة نت إن المركز -حتى حدود الساعة السادسة من مساء السبت- جمع حوالي 700 كيس دم، وهو رقم يساوي أكثر من 3 أضعاف معدل ما يجمع يوميا، في حين أن عدد الأكياس مرشح للارتفاع نهاية اليوم، ناهيك عما سيجمعه من فريق طبي وشبه طبي في الخيمة التي نصبت بشكل استثنائي في مدخل مقر مؤتمر دولي حول الجيولوجيا وسط المدينة.
وأضافت أن الجميع تجند من أجل إنجاح العملية بالرغم من أن الأمر صادف نهاية الأسبوع، مشيرة إلى إمكان توافدٍ أكبرَ في اليوم الموالي مما يستدعي تنظيما أحكم.
ولفتت إلى أن المتطوعين لم يكتفوا بالتبرع بالدم بل تبرعوا أيضا بالطعام والمياه والأدوية، التي وصلت إلى المركز بشكل كبير.
وأشارت إلى أن عددا من الهيئات المهنية من مهندسين وأطباء ومحامين وأطرٍ تربوية عبروا عن رغبتهم تنظيم حملات للتبرع بالدم بتعاون مع المركز، وهو حسب قولها أمر محمود ومدعاة للفخر.
جمعيات مدنية
وتشارك عدد من الجمعيات المدنية في تقديم المساعدة، سواء بجلب ما يحتاجه المتبرعون بالدم من فواكه ومشتقات الحليب ومياه معدنية.
ويصف رئيس جمعية النخيل لواهبي الدم بمراكش، محمد مغاطيط، هذا الإقبال بغير المسبوق، مبرزا في حديث للجزيرة نت أن جميع أفراد الجمعية تجندوا لخدمة المتبرعين.
وعبّر مغاطيط أنه عاش حالة من الذعر وقت حدوث الهزة الأرضية، لكن ذلك لم يمنعه من التواصل مع المركز من أجل إصدار نداء للتبرع بالدم، الذي لاقى تجاوبا سريعا.
وأشار إلى أن هذا الإقبال المكثف لم يكن في مراكش فقط، بل امتد ليشمل مراكز جهوية للتبرع بالدم في مدن أخرى مثل الدار البيضاء والرباط.
يفخر مغاطيط بالمبادرة التي أطلقتها الجمعية وقدرتِه على تقديم المساعدة في هذا الوضع الصعب التي تعيشه جهة مراكش، ويعتبر هذا العمل وساما على صدره وفق تعبيره.