قرية الشريف بمحافظة بني سويف والتي أتشحت باللون الأسود لليوم الثاني على التوالي، فالبيوت هُنا تعيش في الأحزان، بين من فقدت أبنائها ومن دفنت زوجها، إلى من خسر الأخ والعزيز، يعيشون جميعا في صدمة بعد إستقبالهم 75 جثمان من شهداء فيضانات إعصار دانيال في مدينة درنة الليبية.
القصة المأساوية لـ قرية الشهداء في بني سويف
المشهد في قرية الشريف اشبه بتلك اللقطات التي كنا نشاهدها في أفلام الرعب، فالبيوت صغيرة لا تتعدى الثلاث طوابق، وجميعها أصابها الجرح، أحوالهم جميعا بسيطة، لا صوت بينهم يعلو فوق الحديث عن درنة، وعن المفقودين من ابنائهم، بينهم من تلقى خبر الوفاة ولم يصل الجثمان، والآخر استلم شهيده ودفنه في المقابر بقرية قمبش، فقد كانت ثلاث ليالِ مرعبة في بني سويف، حملت مأساة لا يتصورها عقل ولا تشاهدها أعين كثيرا.
الوصف الدقيق في الحالة التي عليها قرية الشريف بمحافظة بني سويف، بدايته من على الطريق حيث يقع مدخل صغير مظلم على اليمين ترعة واليسار زراعات، وبالسير فيه قرابة 15 دقيقة، يقع مدخل على اليمين إلى المقابر، ثم الإستكمال في الطريق إلى قرية الشريف، ومن أول ظهور لتلك البيوت الصغيرة كانت السيدات بالأسود على مدخل البيت والرجال جالسين على «كنب خشبي» أمامهم.
مأساة أهالي قرية الشريف بعد وفاة 75 شابا
رسالة تحية القيناها ثم تقدمنا بواجب العزاء إلى شخصا أخبرنا بأنه عم ضحية يدعى محمد عبدالحميد، قائلا لنا «محمد عنده 20 سنة يابوي، وخرج يشتغل في المعمار، ده حتى بقاله 9 شهور بس مسافر ويادوب بيكلمنا كل فين وفين نطمن عليها»، حتى يقطع ذلك الحديث رجلا بالكاد يثير خارجا من ذلك البيت الصغير، وحين جلس قال «ما خلاص راح محمد، هيحصل ايه تاني أكتر من كدة»، وتحدث ذلك الرجل معنا عن مأساة ابنه في بأنه سافر إلى درنة الليبية باحثا عن عمل إلا أنه عاد لهم من جديد شهيدا أثر إعصار دانيال الذي تأثرت به الأراضي الليبية.
داخل قرية الشريف في محافظة بني سويف، كانت القصص الإنسانية والمأساوية، والتي لا يكفيها سطورا وكلمات بالآلاف للحديث أو وصف ما كانت عليه الحالة في هذه القرية، فقد مكث أهالي القرية التابعة لمحافظة بني سويف يومهم في ليلة الثلاثاء بصورة طبيعية، إلا أن أصوات الصراخ عكرت ذلك الصفو، حين خرجت الصرخة الأولى من سيدة شاهدت إسم نجل شقيقتها على منصة التواصل فيسبوك بين شهداء إعصار دانيال بمدينة درنة، وخرجت إلى الشوارع باكية لتجد كل منزل يخرج منه السيدات والرجال، فالجميع وصلتهم الأنباء، وبدأت الحصيلة تزداد شهيدا بعد شهيد.
مأساة في بني سويف: وفاة توأم ليبيا
75 اسما وصل إلى قرية الشريف بمحافظة بني سويف، 75 شابا ورجلا من ابنائهم فقدوا في أحداث فيضانات مدينة درنة الليبية، وخرجت الأهالي صوب المطار لاستلام جثامين ابنائهم، وأنتظرت القرية بأكملها في ساحة كبيرة بـ قرية قمبش المجاورة لها، وظلت «الشريف» طوال الليل ما بين الصرخات والإغماءات، فكلما خرجت صرخة عادت أصوات الصراخ والعويل إلى أرجاء القرية بالكامل، حتى حل شروق يوم الأربعاء.
المشهد في الصباح لم يكن طبيعيا.. أعدادا غفيرة في مدخل القرية وبمحيط المقابر، الجميع ينتظر وصول الجثامين والدموع تغطي الوجوه، والأسود ينتشر بين البيوت، حتى حانت لحظة وصول الشهداء إلى مسقط رأسهم، فقد عادوا رجال قرية الشريف إلى وطنهم في أكثر من 50 سيارة إسعاف، ذلك المشهد الرهيب الذي اقتحم القرية في موكب مهيب، فقد دخلت سيارات الإسعاف خلف بعضها إلى إحدى الساحات الكبيرة في قرية قمبش بالقرب من المقابر، وتوقفت جميعها بالقرب من بعضها، وأقيمت صلوات الجنازة على أرواح الشهداء، ثم بدأت عمليات تسليم الجثامين إلى ذويهم، فقد كانت الجنازات تخرج من سيارات الإسعاف صوب المقابر.
50 سيارات إسعاف بداخلهم ضحايا ليبيا
وقبل أن تدق الساعة الثانية عشر ظهرا، كانت الأهالي قد انتهت من دفن جثامين جميع الشهداء، وبدأت القصص تخرج من البيوت والدموع تنهال من العيون، والصرخات تخرج مع الأحاديث، فقد فقد أحدهم أبنائه أحدهم 20 سنة والآخر 26 عاما، حيث قال «واحد بقاله 3 سنين شغال هناك في ليبيا، والتاني بقاله 9 شهور، الأخير مخلص شقته وكان نازل يدور على عروسة عشان يتجوزها وأخوه سافر يشتغل عشان يجيب 50 الف جنيه يتجوز بيها، وداخل منزلهم كانت شقة محمود في الطابق الثاني، صغيرة الحجم إلا أنه مجهزة وتنتظر عروستها والعفش، وفي الطابق الثالث كانت شقة شقيقه «على المحارة والجبس» حيث سافر إلى ليبيا لإحضار أموال لتجهيز شقته.
القصص المأساوية في قرية الشريف بمحافظة بني سويف كانت كتيرة جدا، والدة 3 شباب قالت «رصتهم زي الملوخية في قبرهم»، ولادي راحوا كلهم، أبوهم لسه ميت من سنة، وهما ماتوا، مرددة «أنا عندي 3 عيال أحمد ومحمود توأم وعبدالرحمن الصغير، كلمناهم قبل العاصفة وقالوا أنهم كويسين وأن الأمور كويسة بس ماتوا هما التلاتة»، ورددت سيدة أخرى قائلة «أنا جوزي شغال في ليبيا ولسه مش عارفة عنه حاجة وعايزة أي حد يطمني بس عليه هو فين، أنا مش عارفة أوصله».
وفي وسط المشاهد المخيفة والمؤثرة دي، مرة واحدة كان صوت الصراخ طالع من بيت خرجت الستات منه وكان المشهد صعب جدا ناس في الأرض وعويل شديد، وقال جارهم اللي ابنه راح في درنة، الله يكون في عونهم أنا دفنت ابني الصبح لكن هما لسه جايلهم الخبر دلوقتي من واحد صاحبه في ليبيا قالهم أنه مات في الفيضانات، وكمان مش عارفين هيعملوا ايه، ناس قالتهم هيدفن هناك وناس تاني قالت هيوصل القاهرة.
الحالة في قرية الشريف كانت صعبة جدا، ومع حلول المساء كانت البيوت كلها مظلمة، والسيدات تتحرك بين الطرقات في القرية بالأسود، وفي منتصف القرية كان أكبر سرادق عزاء مجمع لشهداء فيضانات إعصار دانيال في مدينة درنة الليبية.