يمر غدًا السبت الموافق الـ23 من ديسمبر الذكرى المائة لميلاد الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، والذي يُعد أحد أهم الصحفيين في تاريخ مصر والعالم العربي خلال القرن الـ20.. إذ كانت تربطه علاقات وطيدة مع رؤساء مصر ومنهم جمال عبد الناصر، وكذلك حسني مبارك فقد ساهم «الأستاذ» في صياغة المشهد السياسي في زمانهم.
هيكل ومبارك
في كتابه “مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان” الذي صدر عام 2012 يحكي هيكل عن أول حوار بينه وبين حسني مبارك بعد توليه رئاسة مصر بشهرين في 5 ديسمبر 1981.. حوار استمر ست ساعات من الثامنة صباحًا وحتى الثانية بعد الظهر.. نستعرض أهم ما جاء فيه.
كان الحوار في الفصل الرابع بعنوان “لقاء الست ساعات” يصف هيكل اللقاء بأنه لقاء ودي وليس حميميًا. فبعد أن وصل إلى بيت مبارك وانتظر في الصالون لوقت لم يتجاوز أكثر من دقيقة، حتى دخل مبارك مادًا يده ومرحبًا بابتسامة طيبة وملامح تعكس حيوية شباب وطاقة.
وكان الحديث في البداية بالترحيب وتقديم الطعام وشرب القهوة، حيث استهل مبارك الحديث عن الصحافة فقد قال لهيكل “اتركهم يغلطوا”.
لم يفهم هيكل ماذا يقصد مبارك فطلب منه أن يوضح أكثر فقال له اتركهم يغلطوا حتى يتأكد الناس أنهم لا يعرفون شيئًا، والأفضل أن ينكشفوا أمام الناس على حقيقتهم وأنهم “هجّاصين”.
هيكل وعبد الناصر
واستمر الحديث عن الصحافة حتى تتطرق مبارك حول العلاقة بين جمال عبد الناصر وهيكل التي عرفها من أنيس منصور ولكن اتضح أن ما سمعه مبارك كان خطأ فقد قام هيكل بتصحيح هذا الخطأ مشيرًا إلى أن هذا الكلام يسىء إلى رجل كان وسوف يظل في اعتقاده واعتقاد كثيرين فى مصر وفى الإقليم وفى العالم قائدًا ورمزًا لمرحلة «مهمة» فى التاريخ العربى.
وقاطعه مبارك ليؤكد على كلامة مشيرًا إلى أنه قد سمع هذا الكلام من أنيس منصور.
أسباب تحديد إقامة النحاس
وتابع الحديث عن عبد الناصر وعلاقته الجيدة بشخصيات مهمة مثل فؤاد سراج الدين ومصطفي النحاس. مصطفي النحاس الذي اعتقد مبارك أن عبد الناصر لا يحبه بسبب اعتقاله له. لكن هناك قدم هيكل شرحًا حول سبب الاعتقال وقال: إنه لم يكن اعتقالا لكنه كان مجرد تحديد إقامة للنحاس، وذلك بسبب أن إنجلترا كانت تبحث عن حكومة بديلة لنظام 23 يوليو، وقد خشي عبد الناصر أن يقوم أحد بتوريط النحاس. ويذكر هيكل أنه استأذن من عبد الناصر ليذهب للنحاس ويشرح له دواعي القرار.
علاقة هيكل بالسادات
وقاطعه مبارك قائلًا: السادات قال في إحدى المرات إن عبد الناصر لم يكن يحب أحدًا.
ورد عليه هيكل بابتسامة وقال: هذا رأي السادات بأثر رجعى كما يبدو لى.
وتواصل الحديث حتى سأل مبارك هيكل عن علاقة أنور السادات، وجمال عبد الناصر، وعلاقة السادات مع هيكل.
فأوضح له هيكل أنه لم يعرف الخلاف بينهما لا قبل حرب 73 ولا بعدها، إذ أوضح أنه لم يكن هناك خلاف بينه وبين السادات بالرغم أن العلاقة لم تكن قوة بينهما.
رأي مختلف
واستمر الحديث بينهما عن الصحافة وما كان ينشره هيكل في الأهرام، حتى عاد مبارك يسأله عن علاقته بالسادات واصفا إياها بأنها كانت محبة وكراهية في نفس الوقت، وقال إن السادات كان يأخذ عليك أنك تريد فرض رأيك عليه.
فأجاب هيكل بأن العكس هو الصحيح، فرئيس الدولة هو من يريد فرض رأيه على الصحفي، وأضاف أنه لم يقتنع بما اتخذه السادات من سياسات أثناء حرب أكتوبر، وأنه كان له رأياً مختلفًا فيما يتعلق بقدرة أمريكا على حل أزمة الشرق الأوسط لأن الوضع في أمريكا كان صعبًا بسبب ورطة الرئيس في فضيحة “ووترجيت”.
شريط مفبرك
“يظهر أن الكتابة تعلمكم الشعر، ولا تعرفكم عن الدنيا وما فيها” كان هذا كلام مبارك لهيكل بعد أن لاحظ تعابير وجهه المأخوذة، بسبب الكلام الذي قاله مبارك عن “زكي بدر” وزير الداخلية وقتها أثناء حكم مبارك، إذ تحدثوا حول الخلاف الواقع بين فؤاد سراج الدين وزكي بدر بسبب الخطاب الذي كان يحمل سباب وهجوم لحزب الوفد ولسراج الدين نفسه، وقد رفض سراج الدين الاعتذار المقدم له مع محاولات إقناعه أن الشريط المسجل عليه الخطاب مفبرك ولكنه لم يقتنع.
نبوءة مبكرة
وبعد حديث مطول عن السجائر وأنواعها وأيهما جيد وأيهما سيء.. وكذلك استرجاع مبارك لذكريات أيام التدريب في الاتحاد السوفيتي والحديث عن لعبة الجولف والاسكواش توقف مبارك للحظة وأشار إلى تخبط القوى السياسية، وصخب الصحافة والصحفيين.
وقال: والله لو تعبت من كثرة الطلبات والخلافات، سوف أتركها لهم، وأسلم كل شيء للقوات المسلحة، وأترك الجميع ياكلوا فى بعضهم وخلص نفسي.
(وكأنها كانت نبوءة مبكرة!!) على حد تعبير الكاتب.