كثر الحديث مؤخرا واحتدم وبلغ درجة الجدل عن قدرة الذكاء الاصطناعي على اختطاف وظائف البشر. الجدل طفا إلى السطح مجددا وأثارته هذه المرة منصة edx عقب نشرها استطلاعا تشير فيه إلى أن نحو نصف الرؤساء التنفيذيين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل مكانهم.
بيد أن اللافت في الأمر هو أن 47% من الرؤساء التنفيذيين رأوا أن الاستعاضة عنهم بالذكاء الاصطناعي أمر جيد، لكن الخبراء التقنيين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يقوم بالمهام الروتينية نيابة عن الرؤساء التنفيذيين، مؤكدين أنه رغم كفاءة الذكاء الاصطناعي في إنجاز مهام عدة، فإنه من الصعب أن يكون بديلا للرؤساء التنفيذيين في الأمور المتعلقة بالتفكير النقدي والإبداع والعمل ضمن فريق وإلهام الموظفين.
47 % من العاملين غير مؤهلين
واعتبر الخبراء التقنيون أن التحول باتجاه إدماج الذكاء الاصطناعي ببيئة العمل يواجه صعوبات، نظراً إلى أن 47% من العاملين غير مؤهلين أو لم يتم تحضيرهم لمستقبل العمل وفق الاستطلاع.
وعلى صعيد آخر يحاول الرؤساء التنفيذيون توظيف أشخاص لديهم مهارات الذكاء الاصطناعي، وهو ليس بالأمر الهين في ضوء نتائج الاستطلاع، إذ يجد 87% صعوبة في العثور على موظفين مناسبين لديهم مهارات التكنولوجيا المطلوبة.
وقد لا يبدو ذلك مستغربا، إذ إن 24% فقط من الموظفين يكتسبون مهارات الذكاء الاصطناعي في إطار وظائفهم.
ويرى متابعون أن هذه النتائج تعطي صورة أوضح بشأن نظرة المديرين المستقبلية لتبني مفاهيم ومعايير الذكاء الاصطناعي وحتى اعتماد تقنياته، ليبقى السؤال الأبرز ربما عن إمكانية توسيع تطبيقه على المستوى العالمي.
وفي المقابل ذكرت دراسة للأمم المتحدة الشهر الماضي أن احتمال تعزيز الذكاء الاصطناعي للوظائف أكبر من احتمال تدميره لها، في ظل القلق المتزايد حيال التأثير المحتمل للتكنولوجيا.
واعتُبر إطلاق منصة “تشات جي بي تي” للذكاء الاصطناعي التوليدي والقادرة على التعامل مع مهام معقّدة بناء على الأوامر، لحظة فاصلة في مجال التكنولوجيا تنذر بتحولات قد تكون جذرية في أماكن العمل.
لكن دراسة جديدة صادرة عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة تناولت التأثير المحتمل لهذه المنصة وغيرها على كمية ونوعية الوظائف، تشير إلى أن معظم الوظائف والقطاعات معرّضة جزئيا فقط إلى الأتمتة.
ورجّحت أن معظمها “سيكون على الأرجح مكمَّلا لا مستبدَلا بآخر موجة ذكاء اصطناعي توليدي مثل تشات جي بي تي”.
الذكاء الاصطناعي آيستوك
الوظائف التي تشغلها نساء ستكون أكثر تأثرا
وأضافت “بالتالي، سيكون التأثير الأكبر لهذه التكنولوجيا على الأرجح ليس تدمير الوظائف بل إدخال تغيرات محتملة على نوعية العمل، خصوصا كثافة العمل والتلقائية”.
أشارت الدراسة إلى أن تأثير التكنولوجيا سيختلف إلى حد كبير بحسب المهن والمناطق، بينما حذّرت من أن الوظائف التي تشغلها نساء ستكون أكثر تأثرا من تلك التي يشغلها الرجال.
وخلصت إلى أن الأعمال المكتبية ستكون الأكثر تعرّضا للتكنولوجيا، إذ ستكون ربع المهام تقريبا معرّضة بشكل كبير وأكثر من نصفها معرّضة بشكل متوسط.
الذكاء الاصطناعي آيستوك
وبالنسبة لمجموعات وظائف أخرى بما فيها تلك التي يشغلها المديرون والخبراء التقنيون، فستكون مجموعة صغيرة من المهام معرّضة بشكل كبير للتكنولوجيا والربع تقريبا إلى حد متوسط، وفق المنظمة.
وفي الوقت نفسه، لفت التحليل إلى أن البلدان ذات الدخل المرتفع ستواجه التأثيرات الأكبر للأتمتة بسبب الحصة الكبيرة للوظائف المكتبية وشبه المهنيّة في توزيع الوظائف.
وخلصت الدراسة إلى أن 5.5% من إجمالي التوظيف في البلدان المرتفعة الدخل معرّض لتداعيات الأتمتة الناجمة عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، مقابل 0,4% في البلدان ذات الدخل المنخفض.
إلى ذلك، توصلت الدراسة إلى أن التوظيف الذي يحتمل تأثره بالأتمتة أعلى بمرّتين بالنسبة للنساء مقارنة بالرجال، نظرا إلى الحضور الكبير للنساء في العمل المكتبي وخصوصا في البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط.
وبينما أظهر التقرير تباينات كبيرة في التأثير المحتمل لخسارة الوظائف الناجمة عن الذكاء الاصطناعي بين البلدان الغنية والأفقر، إلا أنه خلص إلى أن احتمال تعزيزها شبه متساو في مختلف البلدان.
وذكرت المنظمة أن ذلك يدل على أنه “مع تطبيق السياسات الصحيحة، يمكن لموجة التحول التكنولوجي الجديدة هذه أن تقدّم مزايا مهمّة للبلدان النامية”.
لكنها حذّرت من أنه بينما يمكن للتعزيز أن يشير إلى تطورات إيجابية مثل أتمتة المهام الروتينية لإفساح مزيد من الوقت للعمل الأكثر متعة، “يمكن أيضا أن يُطبّق بشكل.. يسرّع شدّة العمل”.
وأفاد التقرير أنه بالتالي، يتعيّن على الدول أن تضع سياسات لدعم تحوّل “منظّم ومنصف”، مشددا على أن “نتائج الانتقال في مجال التكنولوجيا ليست محددة سلفا”.