“ماتت درنة وولدت أخريات”، هكذا اختارت أمهات ليبيات تخليد اسم المدينة في أسماء المواليد الجدد، بعد أسبوعين من الفيضانات المدمّرة الناجمة عن الإعصار دانيال التي خلّفت آلاف الضحايا بين قتيل ومفقود.
وقالت الطبيبة الليبية المتخصصة في التوليد، إيمان القطورني، إن موت درنة معناه موت السكان ودمار المدينة التي جرفت الفيضانات والإعصار نحو ربع منازلها، وأخفت مبانيها مع سكانها وقذفت بهم في البحر، إذ لا تزال عمليات انتشال الجثث مستمرة حتى اليوم، بعد مرور 14 يوما على الكارثة.
أما ولادة درنة، فتقصد الطبيبة إيمان بذلك: حالات الولادة التي شاركت فيها النساء الحوامل الناجيات من الموت في مدينة درنة عقب يومين من الإعصار، وقالت، إن جُلّ المواليد من الإناث سُمّين باسم درنة.
وعقب الكارثة التي حلّت بالمدينة الليبية الشرقية، انتقلت الطبيبة إيمان القطروني بصحبة فريق من نساء تخصص التوليد، من مدينة بنغازي إلى المدينة المنكوبة للعناية بالنساء هناك، خاصة في ظل خروج معظم مستشفيات المدينة عن الخدمة بسبب الفيضانات.
ولادات وتسميات
وعن أصعب حالات الولادة التي مرّت على الطبيبة إيمان في مدينة درنة، فقد كانت لامرأة فقدت والدها وأمها وشقيقها جراء الفيضانات.
وبسبب خسارتها لأفراد عائلتها كانت السيدة الليبية فاقدة لشغف الحياة، وبسبب حالتها النفسية السيئة والإجهاد الكبير الذي تعرضت له، تعسّرت حالة الولادة، لكنها انتهت في الأخير باحتضانها طفلها الصغير، الذي أطلقت عليه اسم “كمال”، وهو اسم شقيقها الذي قضى في الفيضانات.
ومثلما لم تغِب أسماء من قضوا في هذه الفيضانات، فإن الأسماء المستوحاة من وحي ما عاشته العائلات الليبية حاضرة أيضا، فعلى الرغم من ولادتها المتعسّرة اختارت سيدة ليبية تسمية ابنتها “يسير”؛ لييسّر الله على أهل مدينتها درنة وليبيا، وفق ما نقلت عنها الطبيبة إيمان.
وتقول إحدى الأمهات اللائي ولدن بعد 48 ساعة من الإعصار وهي تدعى فائزة، إنها سمّت ابنتها درنة لكنها لا تتمنى لها مصير المدينة نفسه.
وتتابع القول، سمّيت طفلتي درنة مع أني أخاف أن يذكرنا اسمها عندما تكبر بولادتها في عام الإعصار، الذي سيترك لنا مآسي وجراحا في القلب.
وتضيف أم درنة، نجوت من الإعصار وكذلك عائلتي نجت جميعها، لكن جيراني في العمارة السكنية ذاتها لا يزالون مفقودين.
وتختم قائلة، ربما ماتت درنة المدينة لكنها ولدت -كذلك- وطنا، مشيرة لتكاتف الليبيين ووحدتهم شرقا وغربا وجنوبا ضد الكارثة التي حلت بدرنة.
عاصفة وخسائر
وفي 10 سبتمبر/أيلول الجاري، اجتاحت عاصفة ناجمة عن الإعصار المتوسطي دانيال مناطق عدة شرقي ليبيا، أبرزها: مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، بالإضافة إلى مناطق أخرى بينها درنة، التي كانت المتضرر الأكبر.
وكانت درنة أكثر المدن تضررا، وذلك بعد انهيار سدّين كبيرين بسبب السيول المنحدرة من الجبال، بفعل غزارة الأمطار التي جلبها الإعصار، الأمر الذي تسبب في تسجيل أكبر عدد من الوفيات، إضافة لآلاف المفقودين في المدينة.
و24 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت لجنة تابعة للحكومة المكلفة من البرلمان، ارتفاع حصيلة القتلى إلى 3868 حالة وفاة، مرشحة ارتفاع الحصيلة بشكل كبير.
وهذه الحصيلة قريبة من أخرى أعلنتها منظمة الصحة العالمية، في 16 سبتمبر/أيلول الجاري، حين أفادت بمصرع 3958 شخصا، وفقدان أكثر من 9 آلاف آخرين.