يشهد الذهب عالمياً استقرارا خلال تداولات اليوم الخميس بعد الانهيار الذي شهده منذ بداية الأسبوع وتسجيله يوم أمس أدنى مستوياته في 6 أشهر، في ظل تزايد التوقعات باستمرار التشديد النقدي ورفع الفائدة من قبل الفيدرالي إلى جانب ترقب الأسواق لبيانات التضخم الأمريكية.
تداول الذهب الفوري خلال تداولات اليوم الخميس وقت كتابة التقرير الفني لجولد بيليون عند المستوى 1874 دولار للأونصة، وذلك بعد أن خسر يوم أمس 26 دولار منخفضاً بنسبة 1.4% وهو أكبر انخفاض يومي منذ يوليو الماضي ليسجل أدنى مستوى في 6 أشهر عند 1872 دولار للأونصة.
ورصد تحليل جولد بيليون تراجع الذهب بنسبة 2.6% ليخسر 50 نقطة في التداولات العالمية، ويتبقى جلستين قبل أن ينهي الذهب شهر سبتمبر الذي سجل خلاله أسوأ أداء منذ شهر فبراير الماضي مسجلاً انخفاض حتى الآن بنسبة 3.3% بعد أن فقد 64 دولار.
في المقابل يوم أمس كان إيجابي بشكل كبير بالنسبة للدولار الأمريكي الذي ارتفع بنسبة 0.5% ليسجل أعلى مستوى جديد منذ 10 أشهر وفقاً لمؤشر الدولار الذي يقيس أداؤه مقابل سلة من 6 عملات رئيسية.
الدولار في طريقه إلى تسجيل ارتفاع على المستوى الأسبوعي بنسبة 1% ليسجل ارتفاع للأسبوع ال 11 على التوالي، بينما شهد شهر سبتمبر حتى الآن ارتفاع للدولار بنسبة 2.6% ليسجل الارتفاع الشهري الثاني على التوالي.
يوم أمس صدرت بيانات طلبات البضائع المعمرة عن الاقتصاد الأمريكي خلال شهر أغسطس، وأظهرت ارتفاع بنسبة 0.2% على غير المتوقع بعد أن كانت القراءة السابقة منخفضة بنسبة 5.6% والتوقعات تشير إلى انخفاض آخر بنسبة 0.5%.
البيانات تعكس استمرار المستهلكين والشركات في الانفاق على السلع المعمرة على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، الأمر الذي يعكس على قوة مرونة الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي قدرته على دعم التضخم الأمر الذي يستدعي البنك الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ المزيد من الإجراءات التشددية لمواجهة هذا التضخم.
عضو البنك الاحتياطي الفيدرالي نيل كاشكاري صرح يوم أمس أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كان البنك المركزي الأمريكي قد انتهى من رفع أسعار الفائدة مع استمرار ظهور أدلة كافية على القوة الاقتصادية المستمرة.
ارتفاع أسعار الفائدة يزيد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي يتم تسعيره بالدولار والذي لا يقدم عائد لحائزيه.
في المقابل ارتفع العائد على السندات الحكومية الأمريكية لأجل 10 سنوات لتسجل أعلى مستوى جديد من 16 عام عند 4.643% ليسجل العائد ارتفاع خلال هذا الأسبوع بنسبة 4.2% وخلال شهر سبتمبر حتى الآن بنسبة 12.41% وهو الشهر الخامس على التوالي الذي يشهد ارتفاع في العائد.
البيئة الحالية في الأسواق المالية غير ملائمة لازدهار أسعار الذهب، العائد على السندات الحكومية طويل الأجل مستقر أعلى 4.5% والعائد على السندات قصيرة الأجل فوق المستوى 5%، وبالتالي هناك تفوق واضح لصالح أسواق السندات مقارنة مع الذهب الذي لا يقدم أي عائد للاستثمار فيه.
الذهب والتضخم:
أحد الأدوار التي يتميز بها الذهب في الأسواق المالية هي كونه تحوط ضد التضخم، فمع ارتفاع معدلات التضخم يزيد الإقبال على الذهب لحفظ المدخرات من مخاطر انخفاض القيمة الشرائية للعملات، ولكن الذهب توقف عن لعب هذا الدولار مؤخراً في الأسواق المالية العالمية.
ارتفاع التضخم الآن أصبح سيمثل عبء سلبي على أسعار الذهب، لأن ارتفاع التضخم سيصاحبه ارتفاع في أسعار الفائدة أو على الأقل بقاء الفائدة الأمريكية عند اعلى مستوياتها لفترة أطول من الوقت.
التوقعات الأخيرة للبنك الاحتياطي الفيدرالي أشارت أن الفائدة في طريقها إلى الاستقرار فوق المستوى 5% خلال عام 2024، لتتغير وجهة نظر الأسواق لمستقبل السياسة النقدية للفيدرالي خاصة مع وجود توقعات حالياً باحتمال يقترب من 40% بإمكانية رفع الفائدة في اجتماع الفيدرالي في ديسمبر القادم.
ويعد هذا السيناريو هو الأسوأ بالنسبة للذهب كون رفع الفائدة يجذب الاستثمارات بعيداً عن أسواق الذهب لصالح الدولار أو عوائد السندات الأمريكية.
ارتفعت أسعار النفط الخام الأمريكي لتسجل أعلى مستوى منذ أكثر من عام عند 95.01 دولار للبرميل، مع توقعات أن تصل إلى 100 دولار للبرميل على المدى القصير، وارتفاع أسعار النفط ينعكس بشكل إيجابي مباشر على ارتفاع أسعار الوقود عالمياُ وبالتالي معدلات التضخم ليتكرر السيناريو السابق.
أيضاً بالنظر إلى أسواق الأسهم الأمريكية نجد أن مؤشر S&P500 الأكثر شيوعاً للأسهم الأمريكية قد انخفض إلى أدنى مستوياته في 3 أشهر، حيث تعاني أسواق الأسهم من عمليات البيع وخروج الاستثمارات لصالح أسواق السندات.
لم يستطع الذهب أن يجتذب الاستثمارات الخارجة من أسواق الأسهم كونه لم يعد يمثل الملاذ الآمن في الأسواق الآن، ليفقد هذا الدور لصالح الدولار الأمريكي الذي يتمتع بحماية كبيرة بدعم من مستقبل أسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة على المدى المتوسط.
أسعار الذهب في مصر
انخفضت أسعار الذهب المحلي لتتبع تراجع كبير في سعر الأونصة العالمي، ولكن حتى الآن يبقى الحذر والترقب هو السائد في الأسواق المحلية.
افتتح الذهب تداولات اليوم الخميس عند المستوى 2200 جنيه للجرام عيار 21 الأكثر شيوعاً قبل أن يعود إلى التراجع إلى المستوى 2197 جنيه للجرام ليتداول وقت كتابة التقرير عند هذا المستوى وهو نفس السعر الذي اختتم عنده جلسة الأمس، التي شهدت انخفاض بمقدار 10 جنيهات عن سعر افتتاح الأمس عند 2207 جنيه للجرام.
انخفاض الذهب يوم أمس جاء ليتبع تحركات السوق العالمي الذي شهد انخفاض حاد في سعر الأونصة عالمياً، ولكن معدل هبوط السعر في السوق المحلي كان طفيف مقارنة بانخفاض السعر العالمي للذهب.
بشكل عام تشهد أسواق الذهب استقرار في التحركات على المدى القصير بسبب ضعف السيولة النقدية لدى المشاركين في الأسواق الأمر الذي انعكس على ضعف الطلب على الذهب خلال هذه الفترة من العام.
هذا بالإضافة إلى استقرار سعر صرف الدولار في السوق الموازية وبالتالي سيطر التذبذب على الذهب معظم الفترات الماضية، خاصة مع عدم وضوع مستقبل سعر الصرف في مصر.
الجدير بالذكر أن المعروض من الذهب شهد استقرار إلى حد ما وذلك في ظل مبادرة واردات الذهب بدون رسوم جمركية التي ساهمت في دخول 2000 كيلو ذهب منذ بداية المبادرة في 11 مايو الماضي وحتى 24 سبتمبر الجاري.
هناك مطالبات كثيرة بتمديد فترة مبادرة واردات الذهب والتي من المقرر أن تنتهي في نوفمبر القادم، وذلك في ظل الاستقرار الذي حققته في أسواق الذهب وتقليل فجوة التسعير بين السوق المحلي والسوق العالمي.
توقعات أسعار الذهب العالمية والمحلية
الضغط السلبي مستمر على أسعار الذهب الفوري الذي كسر القاع الذي سجله في أغسطس الماضي عند 1885 دولار للأونصة، ليفتح الطريق الآن إلى المستهدف عند المنطقة بين 1850 – 1860 دولار للأونصة.
المؤشرات الفنية لا تزال تظهر تشبع في البيع، ولكن قد تقوم المؤشرات بتصحيح قراءتها من خلال التحركات العرضية دون الحاجة لعكس الذهب حركته لأعلى، لتعود بعد ذلك لاستكمال الهبوط في حالة استمر الضغط السلبي على بيع الذهب.
الذهب في حاجة إلى حافز قوي لإيقاف الهبوط والعودة إلى التعافي وفي هذه الحالة يلزم الاستقرار فوق المستوى 1900 دولار للأونصة حتى يستطيع تكمل الصعود.
أما عن السعر المحلي فنجد أنه هناك محاولات للتداول تحت المستوى 2200 جنيه للجرام عيار 21 ليتبع التراجع في سعر الأونصة العالمية، ولكن تحركات الذهب تظل تدريجية ويسيطر عليها التذبذب.
الجدير بالذكر أن استجابة السعر المحلي للعالمي تبقي أسعار الذهب بالقرب من المستوى 2200 جنيه للجرام، ولكنه مع وجود حافز مناسب من المتوقع أن يعود إلى التعافي مستهدفاُ المستوى 2225 جنيه للجرام ومن بعد المستوى 22250 جنيه للجرام.