ينذر موسم الشتاء لهذا العام بوضع صعب للآلاف من المهاجرين غير النظامين الذين تقطعت بهم السبل بضواحي مدينة صفاقس التونسية، الأكثر استقطابا للحالمين بعبور المتوسط نحو السواحل الإيطالية القريبة.
وحتى الأسبوع الجاري منحت أشعة الشمس الساطعة في أنحاء تونس التي تشكو جفافا منذ سنوات، أمانا مؤقتا للمهاجرين المشردين، لكنه يخفي أفقا مجهولا في الأسابيع المقبلة.
وفي أعقاب اضطرابات وحالة من الفوضى في أحياء المدينة الاقتصادية صفاقس بين المهاجرين والسكان المحليين، بدأت السلطات بنقل أعداد من الوافدين الأجانب من دول أفريقيا جنوب الصحراء عبر الحافلات إلى مناطق مجاورة بالولاية ذاتها.
ومن بين تلك المناطق استقطبت مدينة العامرة التي تقع على مسافة تقل عن 150 كيلومترا من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، الآلاف وسط قلق متزايد من المجتمع المحلي.
وقدرت مصادر من المجتمع المدني لوكالة الأنباء الألمانية عدد الوافدين من المهاجرين غير النظاميين في العامرة وحدها اليوم بنحو 10 آلاف. وهناك الآلاف أيضا في منطقتي جبنيانة وساقية الداير المجاورتين.
ملاذ مؤقت
ويتخذ أغلب هؤلاء المهاجرين الحقول وغابات الزيتون الممتدة في المناطق الريفية القريبة، ملاذا مؤقتا لهم في العراء وتحت خيام من البلاستيك إلى حين اتضاح الرؤية حول مستقبلهم.
وقال فلامين مانيه من غامبيا: “جئت إلى تونس للبقاء فترة قصيرة. أريد الذهاب إلى إيطاليا أريد العمل، ومساعدة عائلتي. لا يوجد عمل هناك في غامبيا ولا مال”.
وقالت تامبي ماتينا، التي قدمت من الكاميرون قبل عام وتعرضت للحبس “إذا كان التونسيون لا يريدون منا البقاء فعليهم أن يسمحوا لنا بالعبور. لم نأت للبقاء. لقد غادرنا بلداننا من أجل هدف واحد نريد مساعدة عائلاتنا هناك”.
وتابعت ماتينا “تونس بلد أفريقي مثلنا لماذا يمنعنا من العبور. نحن الأفارقة يجب أن نكون متحدين لمواجهة أوروبا. كل ثرواتنا لدى الأوروبيين”.
ومن بين الوافدين أطفال ونساء يقيمون في ضواحي صفاقس الريفية. وهناك مخاوف من وضع مأساوي مع دخول فصل الشتاء وهطول الأمطار.
وقال وحيد الداهش الذي يعمل صحفيا ميدانيا في المنطقة “نقلت مفوضية اللاجئين أعدادا من المهاجرين إلى مراكز إيواء لكن عددهم محدود جدا لا يتجاوز الـ30، إذ يرفض البقية مغادرة المكان، لأن هدفهم الوحيد هو العبور إلى الأراضي الإيطالية”.
وأشار إلى وجود عدد كبير من السودانيين الذين فروا من بلدهم بسبب الحرب. وهؤلاء يرغبون في الوصول إلى الأراضي الإيطالية عبر السماسرة والمهربين.
وشنت السلطات الأمنية حملة واسعة النطاق في سواحل ولاية صفاقس ومعاقل المهربين وورشات تصنيع قوارب الهجرة الحديدية، وأشار الداهش إلى انحسار عدد القوارب المنطلقة من السواحل بشكل كبير.
مذكرة تفاهم
ووقعت تونس مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي منذ يوليو/تموز الماضي بهدف تعزيز جهود مكافحة الهجرة غير النظامية مقابل حوافز اقتصادية ومالية. لكن السلطات في تونس تشكو من تأخر تفعيل الاتفاقات وصرف التمويلات اللازمة.
ويقدّر تعداد المهاجرين غير النظاميين في البلاد بأكثر من 87 ألفا، بينما يصل عدد النظاميين بما يزيد على 9 آلاف وفق أرقام حصلت عليها وكالة الأنباء الألمانية من وزارة الداخلية.
وفي يوليو/تموز الماضي، قال وزير الداخلية كمال الفقي إن أعداد الغرقى على السواحل التونسية فاق 900 شخص. ويرجح أن يكون الرقم قد تجاوز الألف ضحية مع نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وقالت بلدية صفاقس إنها تعاني عجزا في توفير المقابر لأعداد الضحايا المتزايد.