يصادف اليوم ذكرى ميلاد الموسيقار بليغ حمدي، ويعتبر واحدًا من أمهر الملحنين في تاريخ مصر الحديث، تمكّن بليغ حمدي من احتلال مكانة مرموقة بين جيل الموسيقيين الموهوبين، حيث استطاع أن يستحوذ على قلوب الناس ببساطته وإحساسه المرهف وابتسامته المفعمة بالحب.
ميلاد بليغ حمدي
ولد الموسيقي المبدع بليغ حمدي في السابع من أكتوبر عام 1931، وبدأت موهبته تظهر منذ صغره. دعمه والده، الذي كان مدرسًا لمادة الفيزياء، وساعده في تعلم عزف آلة العود عندما كان في التاسعة من عمره. ثم سمح له بالالتحاق بمدرسة عبدالحفيظ إمام لدراسة أصول الموسيقى الشرقية.
تحفزه شغفه بالموسيقى، قرر بليغ الانضمام إلى معهد فؤاد الأول للموسيقى، بالإضافة إلى دراسته في كلية الحقوق. حاول العديد من أصدقائه أن يقنعوه بالغناء، وشجّعه محمد حسن الشجاعي، مستشار الإذاعة المصرية في ذلك الوقت، لكنه سرعان ما أدرك أن موهبته الحقيقية تكمن في التلحين. لذا انسحب من الغناء وانغمس في عالم النوتة الموسيقية.
لعب الفنان الكبير محمد فوزي دورًا حاسمًا في حياة بليغ حمدي، بدأت العلاقة بينهما عندما قدم بليغ لحنًا لأغنية “ماتحبنيش بالشكل ده” للفنانة الراحلة فايزة أحمد. وعلى إثر ذلك، أدرك فوزي أن موسيقى بليغ رشيقة وبسيطة، وقرر العمل معه.
مع مرور الوقت، توطدت الصداقة بين الفنانين، ولعب فوزي دورًا في تلحين أعمال بليغ لأم كلثوم، وذلك عندما قرر فوزي أن يعتذر عن تقديم أغنية لأم كلثوم ويرشح بدلاً منه صديقه بليغ، معتبرًا إياه “أمل مصر في الموسيقى”.
بالفعل، تعاون الفنانان وأنتجا سويًا أغنية “حب إيه” عام 1960، التي حققت نجاحًا كبيرًا وأصبحت علامة فارقة في تاريخ أم كلثوم. وقدم بليغ بعدها مجموعة من الأغاني الرائعةمن بين أشهر أغاني بليغ حمدي تتضمن “زمان يا حب” و”مراتي في الزمان الجميل” و”فاتت سنة حب” و”أنا بعشقك” و”يا ست الستات” و”الطريقة الناجحة” و”أنا مش هنساك” و”نبتدي منين الحكاية” و”أنا لو حبيبك” و”أصعب حاجة في الدنيا”. تتميز أغانيه بالكلمات الجميلة والألحان الرائعة، وتعبر عن مشاعر الحب والفراق والحنين إلى الماضي.
تقديم التترات
بليغ حمدي لم يقتصر عطاءه على الأغاني الشهيرة فقط، بل قدم أيضًا تترات للأفلام المصرية، مثل تتر فيلم “الأرض” الذي حقق نجاحًا كبيرًا واستمرارية في شهرة بليغ.
تألق بليغ حمدي في عالم الموسيقى بتعاونه مع نخبة من الفنانين، وألحانه خطفت الأضواء وحققت نجاحاً باهراً، وجمعته علاقة فنية قوية مع عبد الحليم حافظ وقدما معًا مجموعة من الأغاني المميزة مثل “أي دمعة حزن لا”، “نبتدي منين الحكاية”، “تخونوه”، “حاول تفتكرني”، “مداح القمر”، “عدى النهار” و”موعود”.
بليغ حمدي مع وردة
وقد كان لبليغ حمدي دور كبير في نجومية المطربة الجزائرية وردة، حيث أحبها وتزوجها في عام 1972، وقدم لها مجموعة من الأغاني الهامة التي ساهمت في نجاحها. ولكن انتهت العلاقة بينهما بسبب غيرة وردة الشديدة من تعاونه مع مطربات أخريات مثل ميادة الحناوي وسميرة سعيد وفايزة أحمد. ومن بين الأغاني التي قدمها لوردة: “العيون السود”، “اسمعوني”، “وحشتوني”، “حنين”، “على الربابة” و”احضنوا الأيام”.
ألحان بليغ كانت تحقق نجاحاً كبيراً وكانت تلقى اهتمامًا كبيرًا من قبل عمالقة الغناء مثل شادية وصباح وميادة الحناوي ومحمد رشدي وعزيزة جلال وهاني شاكر وعلي الحجار. وقدم أيضًا أعمالًا هامة مع المنشد الديني سيد النقشبندي، مثل “مولاي”.
اكتشاف جثة
في عام 1984، تغيرت حياة بليغ حمدي تمامًا بعد اكتشاف جثة الفنانة المغربية سميرة مليان تحت شرفة منزله. وتعرض للشائعات والاتهامات العديدة، مما دفعه لمغادرة مصر والاستقرار في باريس لمدة خمس سنوات. ولم يعود إلى القاهرة إلا بعد صدور حكم ببراءته في عام 1989.
وعلى الرغم من عودته إلى وطنه، إلا أنه لم يستعد فنيًا بنفس القوة التي اعتادها جمهوره، حيث تأثرت حالته الصحية وأجبر على الابتعاد عن تقديم الموسيقى المميزة كما كان يفعل في الماضي.
بليغ حمدي كان فنانًا استثنائيًا ورمزًا للموسيقى المصرية. إرثه الفني ما زال حاضرًا وسيظل يستمر في إلهام الأجيال القادمة من الموسيقيين وعشاق الفن.