استذكر كاتب فرنسي حربي 1967 و1973 بين العرب وإسرائيل وقارن بينهما وبين الهجوم المباغت الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمقاومة على إسرائيل، وقال إن “غطرسة المحتل واحتقاره الفلسطينيين أسهما في عماه”.
وكتب مدير مجلة “أوريان 21” ألان غريش أن تل أبيب “ارتجت لهول ما وقع” في أكتوبر/تشرين الأول 1973، قبل 50 سنة، عندما كانت الجيوش المصرية والسورية تعبر خطوط وقف إطلاق النار لتُلحق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي.
وقال الكاتب المتخصص في شؤون المنطقة إنه رغم حصول أجهزة استخباراتها على معلومات تفيد بهجوم وشيك، فإن القيادة السياسية لإسرائيل التحفت بغطرستها متسائلة “أنّى للعرب الذين هُزموا عام 1967 أن يكونوا قادرين على القتال؟” فبالنسبة إلى الإسرائيليين، كان من الممكن أن يستمر احتلال الأراضي العربية دون رد فعل وإلى أجل غير مسمى.
واعتبر غريش -الذي له مؤلفات عديدة منها “علام يدل اسم فلسطين؟”- أن العديد من المعلّقين في أوروبا والولايات المتحدة دانوا في ذلك الوقت ما سموه “العدوان” المصري السوري غير المبرّر وغير الأخلاقي و”غير المسبَّب”، مشيرا إلى أن “زعماء إسرائيل يحبذون هذه العبارة التي تسمح لهم بالتعتيم على جذور الصراع، أي الاحتلال”.
“هرج غربي”
وعاد الكاتب بالذاكرة إلى ما أبداه وزير الخارجية الفرنسي في ذلك الوقت ميشيل جوبير من وعي مشرّف لبلاده بقوله “هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله؟”. وقال غريش إن صوت باريس في ذلك الوقت كان يحلق عاليا فوق الهرج الغربي، وكان يؤكد أن الاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين وتحرير الأراضي العربية المحتلة عام 1967 هما مفتاحا السلام.
وتساءل غريش “إذا كانت الرغبة في إنهاء احتلال سيناء والجولان شرعية عام 1973، فكيف تكون رغبة الفلسطينيين في تحرير أنفسهم من الاحتلال الإسرائيلي غير شرعية اليوم، بعد مرور 50 عاما؟”.
وتابع “كما في حرب أكتوبر/تشرين الأول (1973)، فوجئت تل أبيب بالهجوم الفلسطيني ومُنيت بهزيمة عسكرية ذات حجم استثنائي. وكما في حرب أكتوبر أيضا، فإن غطرسة المحتل، واحتقاره الفلسطينيين، وقناعة هذه الحكومة اليهودية المتعصبة بأن الله إلى جانبها، أسهمت في عماها”.
ولم يكن الهجوم الذي شنته حماس قبل يومين مفاجئا فقط بسبب التوقيت الذي تم اختياره، بل أيضا بحجمه وتنظيمه، وبقدراته العسكرية المنتشرة والتي مكنت، من بين أمور أخرى، من اجتياح القواعد العسكرية الإسرائيلية، حسب الكاتب.
وأكد أن هذه العمليّة وحدت كل الفلسطينيين، وأثارت دعما واسع النطاق في العالم العربي، رغم سعي قادته إلى التطبيع مع إسرائيل والتضحية بفلسطين. حتى محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية -التي يعود وجودها بالأساس إلى تعاونها الأمني مع الجيش الإسرائيلي- شعر بنفسه مضطرا إلى الإعلان عن “حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال”، وعن “ضرورة توفير الحماية لأبناء شعبنا”.
“جميعهم إرهابيون”
في كل مرة ينتفض فيها الفلسطينيون، يستحضر الغرب الإرهاب، مع أنه ذلك الغرب الذي لا يتوانى عن تمجيد مقاومة الأوكرانيين. وهكذا دان الرئيس إيمانويل ماكرون “بشدة الهجمات الإرهابية التي تضرب إسرائيل حاليا”، من دون أن ينبس ببنت شفة عن استمرار الاحتلال الذي هو مصدر العنف، يقول الكاتب مؤكدا أن صمود الفلسطينيين عنيد لا يُقهر، يُذهل المحتلين، ويبدو أنه يصدم عديدا من الغربيين.
وكما حدث خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 أو الانتفاضة الثانية عام 2000، وكما حدث في أثناء عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية أو التعبئة لصالح القدس، وكما حدث في أثناء المواجهات في محيط غزة -المحاصرة منذ عام 2007 والتي عانت من 6 حروب خلال 17 عاما (أسفرت عن 400 قتيل عام 2006، و1300 في 2008-2009، و160 في 2012، و2100 في 2014، وما يقارب 300 في 2021، والعشرات خلال ربيع 2023)- يدين المسؤولون الإسرائيليون “همجية” خصومهم، وقلة اكتراثهم بالحياة البشرية، أو بكلمة أخرى “إرهابهم”.
وتسمح هذه التهمة بالالتحاف بلباس القانون والضمير البشري، وتناسي نظام الفصل العنصري (أبارتايد) الوحشي الذي يضطهد الفلسطينيين بشكل يومي. وذكّر غريش بأن عددا لا بأس به من المنظمات الإرهابية تحوّل عبر التاريخ من موقع المنبوذ إلى موقع المحاور الشرعي، إذ تم وصف الجيش الجمهوري الأيرلندي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، والمؤتمر الوطني الأفريقي وغيرهم بالـ”إرهابيين”، بهدف إسقاط البعد السياسي لقتالهم، وتقديمه على أنه صراع بين الخير والشر، لكن في الأخير، وجب التفاوض معهم.
وحسب غريش، تكهّن الجنرال الفرنسي شارل ديغول بعد العدوان الإسرائيلي في يونيو/حزيران 1967 بأن “إسرائيل تنظم على الأراضي التي احتلتها احتلالا لا يمكن أن يوجد دون ظلم وقمع وترحيل. وعلى تلك الأراضي تظهر مقاومة ضدها تصفها بالإرهاب”.