كشف تحقيق أجرته الجزيرة عن أن شبكة حسابات يمينية مقربة من إسرائيل أغلبها في الولايات المتحدة، روجت للمزاعم الكاذبة بإقدام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطع رؤوس 40 طفلا إسرائيليا خلال عملية طوفان الأقصى، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وتتبع التحقيق الذي أجرته وكالة سند للرصد والتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة، خيوط الادعاءات ومصادر الرواية التي دفعت بانتشار الخبر الكاذب دون التحقق منه، والذي استخدم لتجييش الرأي العام العالمي ضد المقاومة الفلسطينية والفلسطينيين في قطاع غزة وتبرير العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع.
بداية القصة
بدأت القصة عندما ادعت صحفية إسرائيلية تدعى نيكول زيديك، تعمل في قناة “آي 24” الإسرائيلية، خلال تغطية مباشرة من كيبوتس كفار عزة قرب الحدود مع قطاع غزة، أن المقاومة الفلسطينية قطعت رؤوس 40 طفلا في المكان، وسرعان ما تلقفت حسابات مقربة من إسرائيل وأخرى يمينية أميركية المعلومة المضللة رغم عدم وجود أي تأكيد رسمي إسرائيلي.
أثارت المعلومة ضجة رقمية هائلة على مستوى العالم، خاصة في العالم الغربي، وتعززت بادعاء الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه شاهد صور أطفال إسرائيليين ذبحتهم حماس، لكن البيت الأبيض نفى لاحقا مشاهدة بايدن للصور بنفسه، مؤكدا أنه سمع عنها فقط من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ومع انتشار الادعاءات حول قطع رؤوس الأطفال في كفار عزة، قال عدد من الصحفيين الذين كانوا في المكان نفسه مع الصحفية الإسرائيلية التي صدر عنها الخبر المضلل، إنهم لم يجدوا أي دليل على ذلك الادعاء الشنيع، رغم كونهم أجروا العديد من المقابلات مع الجنود والمسؤولين الإسرائيليين في عين المكان، وسجلوا إفادات أدلى بها شهود عيان.
وكشف تحقيق أجراه موقع “ذا غراي زون” الأميركي المستقل، أن الادعاء بأن أفراد المقاومة يقطعون رؤوس الأطفال الإسرائيليين مصدره جندي إسرائيلي يُدعى ديفيد بن صهيون، وقد تم التعريف به خلال مقابلة أجرتها معه “آي 24” الإسرائيلية بصفته “زعيم استيطاني متطرف”.
وأشار التحقيق إلى تراجع وسائل إعلام وصحفيين عن تقارير أولية بهذا الشأن بعد أن تعذر إثبات الادعاء بقطع رؤوس الأطفال، من بينهم صحيفة إندبندنت البريطانية وقناة “سي إن إن” الأميركية، والبيت الأبيض الذي تراجع عن التصريح الذي أدلى به بايدن عندما ادعى أنه شاهد صورا لـ “إرهابيين” يقطعون رؤوس أطفال في إسرائيل.
من روج للخبر الكاذب؟
ورصد التحقيق أول تغريدتين نشرتا الخبر الكاذب من خارج إسرائيل، وحققتا انتشارا كبيرا على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، وقد نشر إحداهما حساب لشخص يدعى غابرييل نورونها، وهو موظف سابق في وزارة الخارجية الأميركية ويعمل الآن بالمعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي.
أما التغريدة الثانية فقد نشرها حساب لصحفية تدعى إيما ويب، تعمل في “جي بي نيوز”، وهي قناة بريطانية ذات ميول يمينية.
وقد نشرا في تغريدتيهما الادعاء الكاذب المتعلق بقطع رؤوس الأطفال وقدماه على أنه خبر مؤكد.
وفي غضون 4 ساعات من نشر التغريدة الأولى، كان هناك 30 ألف تفاعل من حوالي 25 ألف حساب على إكس.
وكشف التحقيق أن التغريدات حظيت بأكبر قدر من التفاعل في الولايات المتحدة خلال الساعات الأولى من تداولها، كما لاقت رواجا في الهند وإسرائيل والمملكة المتحدة.
ونشط إعلاميون وناشطون على منصات المجتمع المدني في نشر الادعاء الكاذب والترويج له على نطاق واسع، أغلبهم مرتبطون باليمين المتطرف في الولايات المتحدة، ومن أبرزهم الصحفي والناشط بن شابيرو، وهو صهيوني أميركي معروف انتشرت تغريداته على نطاق واسع مما أعطى زخما للادعاء الكاذب.
ولاحقا نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، صورة ادعى أنها لطفل إسرائيلي أحرقته حماس، لكن سرعان ما كشف الصحفي الأميركي جاكسون هينكل أن تلك الصورة مزيفة، وكشف الصحفي الأميركي أن صورة الطفل الإسرائيلي المزعوم هي في الأصل صورة كلب في عيادة طب بيطري، تم تزييفها عن طريق الذكاء الاصطناعي، لتحل محلها صورة لجسد طفل متفحمة.