قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أسامة حمدان إن السرعة التي أُنجزت بها عملية “طوفان الأقصى” شكلت مفاجأة إيجابية لعناصر المقاومة من ناحية سرعة انهيار جيش إسرائيل وكذلك تقليل حجم التضحيات في “صفوف المجاهدين” كما أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي، ورسمت صورة بأن خيار المقاومة يستطيع أن يحدث تغييرا جوهريا في الصراع مع الاحتلال، ولو توفرت للمقاومة أسباب الصمود -بدل الحصار- لتغيرت معادلة الصراع بشكل كبير.
وتأسف حمدان -في حوار خاص مع الجزيرة نت- لتواطؤ إحدى المؤسسات الدولية في مخطط تهجير سكان غزة تحت عنوان إخلاء موظفيها وعائلاتهم مما أحدث بلبلة، لكن المقاومة نجحت في معالجتها، وكان العلاج الأكبر أن إسرائيل قصفت القافلة التي كانت تتحرك نازحةً باتجاه جنوب قطاع غزة.
وأضاف أن هناك غضبا صامتا الآن في الدوائر الأميركية العسكرية والسياسية من الحالة التي ظهرت عليها إسرائيل؛ فكل هذا الاستثمار ومحاولة تحسين صورتها ومحاولات التطبيع بدا هزيلا وواهيا في مواجهة المقاومة الفلسطينية، كما أن واشنطن فشلت في بناء موقف عربي داعم لمشروع إسرائيل في ذبح الفلسطينيين وتوجيه ضربة للمقاومة، وسمع وزير خارجيتها أنتوني بلينكن كلاما واضحا بأن الأزمة هي حكومة نتنياهو، وأن الحل لا بد أن يكون سياسيا، وأن إبادة المدنيين الفلسطينيين غير مقبولة.
ولم يغب عن القيادي في حماس تأثير التفاف الشارع العربي والإسلامي حول فعل المقاومة في صراعها مع الاحتلال، وقيمة ذلك في اتخاذها القرارات السياسية، فقال “من يتعامل معنا على قاعدة أن الفلسطينيين لهم حقوق ينبغي أن تُحترم، وينبغي أن يُدعم الفلسطينيون لتحقيقها، هذا بكل تأكيد سيكون له دوره وأثره الإيجابي في قرار الحركة”.
فإلى تفاصيل الحوار..
-
من الناحية الإستراتيجية.. هل حققت المقاومة أهدافها من عملية “طوفان الأقصى”؟
لا شك أن المواجهة لم تنته بعد، ولذلك يصعب الحديث عن أن المقاومة حققت أهدافها أو لا. هذا أمر منوط بالتقييم النهائي للعملية. لكن أنا أستطيع أن أقول إن المقاومة في مسار العمليات قد نجحت حتى اللحظة في تحقيق مجموعة من الأهداف، لعل من أهمها أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى الخارطة، فـ (كان) الكل يتحدث عن تصفية للقضية الفلسطينية، وعن تسويه للصراع بشكل نهائي يحفظ لإسرائيل الهيمنة والسيطرة على القدس والمقدسات وعلى معظم الضفة الغربية، ويعالج موضوع الفلسطينيين كمدنيين يقيمون تحت الاحتلال، وهذا هو المشروع الإسرائيلي.
ومع الأسف هذا المشروع الإسرائيلي بدأ يجد مفاعيل له من خلال عمليات التطبيع وغيرها، وأيضا من خلال التزام الإدارة الأميركية بعدم وجود أي أفق لبرنامج سياسي. بهذا المعنى أعادت عملية “طوفان الأقصى” القضية الفلسطينية إلى المشهد السياسي بقوة، وسمعنا مواقف معلنة في مواجهة وزير الخارجية الأميركي وإسرائيل في آن معا، عندما قيل له إن سبب كل ما يجري هو عدم وجود حل سياسي، والعودة إلى الحديث عن حل سياسي يتعلق بدولتين وما إلى ذلك.
أيضا نجحت المقاومة في أن ترسم صورة بأنها قادرة، وأن خيارها يستطيع أن يحدث تغييرا جوهريا في الصراع مع الاحتلال، وما جرى من قبل المقاومة يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري كان نموذجا واضحا. وتخيل معي لو أن هذه المقاومة حظيت بدعم بدل الحصار، ووُفرت لها ولشعب فلسطين أسباب الصمود لتغيرت معادلة الصراع بشكل كامل.
“طوفان الأقصى” أعادت القضية الفلسطينية إلى المشهد السياسي بقوة، وسمعنا مواقف معلنة في مواجهة وزير الخارجية الأميركي وإسرائيل في آن معا
وفي موضوع آخر، هناك أسرى من الجنود والضباط الصهاينة، وهذا يفتح الباب مستقبلا لإجراء عملية تبادل تسمح لنا باستعادة أسرانا من الأطفال والنساء والرجال. نحن نتكلم عن 300 طفل و60 امرأة، وبضعة آلاف من الأسرى في سجون الاحتلال، وكل هؤلاء لا بد من الإفراج عنهم.
والآن، (هذه) العملية ما تزال تتطور وهناك قصف إسرائيلي وحرب إبادة على الشعب الفلسطيني، وهناك جهود سياسية قد تنجح وقد تفشل، وقد نذهب إلى مواجهة برية.
-
بعد تحقيق هذه الأهداف، ألم يؤثر مشهد التدمير والقصف وعدد الشهداء بغزة في النيل من صورة هذه المكتسبات؟
الشعب الفلسطيني على مدى 75 عاما كان يُقتل على يد الإسرائيليين، سواء قاوم أو لم يقاوم، ونحن نتكلم عن نحو 300 شهيد في الضفة منذ بداية العام، وحتى في عام الهدوء الذي سبقه كان العدد 500 شهيد بالضفة. وبالتالي، فإن عملية القتل قائمة والذي يحصل أنه إذا قاومت ربما ساعد ذلك قليلا على أمل أن تردعه مقاومتك، وأنا أذكّر الناس بأنه في عدوان 2014 تجاوز عدد الشهداء 2500 شهيد.
صحيح أن ضريبة التضحية كبيرة في هذه المعركة، ولكن، تحقق إنجاز أيضا بتمزيق الفرقة الثالثة (فرقة غزة) التي كانت تعد من المفاخر في جيش الاحتلال. ولم ينعكس ذلك على الفرقة وحدها، بل على عموم الجيش الإسرائيلي وعلى صورة إسرائيل ومشروعها ككيان طبيعي في المنطقة. هذه كلها تداعيات مهمة وخطيرة، فالذين استشهدوا هم أهلنا وأبناؤنا، وهذا مؤلم وموجع على الصعيد الإنساني، ولكن إذا أردت أن تتحرر من العدوان والاحتلال فعليك أن تدرك أن هناك أثمانا ستدفع، نحن نسعى لتقليل هذه الأثمان قدر الإمكان ونسعى لإيلام العدو بأقصى قدر ممكن.
وأنا أعتقد أن هذه المعادلة من القتل الذي يفعله الإسرائيلي تعيد إظهار الوجه الحقيقي لهذا الكيان الذي قام على أساس الإرهاب، ومجزرة دير ياسين وعشرات المجازر التي أفضت إلى تدمير 500 قرية وبلدة فلسطينية عام 1948.
-
هل هناك حلول من قبل فصائل المقاومة لتخفيف الوضع الإنساني في غزة؟
هناك اتصالات تجري ومحاولات لفتح المعبر لإدخال إغاثات إنسانية عاجلة على المستويين الطبي والإنساني. هذه الإغاثات وصلت بالفعل على الحدود، لكن الإسرائيليين رفضوا دخولها وقصفوا المعبر مرتين. ويجري الحديث مع قيادة المقاومة حول هذا الأمر. نحن منفتحون على هذه الفكرة لأن لنا هدفا واضحا هو تخفيف المعاناة على شعبنا، بل هناك هدف أهم هو وقف هذه المعاناة ووقف هذا العدوان، ولذلك كل ما يجري من اتصالات سياسية يذهب في هذا الاتجاه.
مع الأسف، تواطأت مؤسسة دولية في مخطط تهجير سكان غزة تحت عنوان إخلاء موظفيها وعائلاتهم وأحدثوا بلبلة، لكن المقاومة نجحت في معالجتها
-
الساعات الأخيرة، سمعنا عن مخطط لتهجير سكان غزة إلى خارج القطاع.. فهل تنجح إسرائيل في تطبيق هذا واقعيا؟
الفكرة الأميركية كانت تهجير كل القطاع، وتفريغه من السكان ونقل اللاجئين أو نقل أبناء غزة إلى سيناء ومن ثم البحث في أوضاعهم وربما إعادة نقلهم إلى أماكن أخرى، بمعنى أن الحديث عن تهجير مؤقّت هو كذبة أراد الإعلام الصهيوني والغربي ترويجها ليدفع الناس إلى حالة من الحراك الطوعي الذي يمكن أن يضغط على المقاومة وعلى مصر في آن واحد.
وهذا المخطط لم ينجح، وسمع وزير خارجية أميركا كلاما واضحا بأن هذا التهجير مرفوض، وأن إعادة التهجير الفلسطيني غير مقبولة، ووصلته أيضا رسالة فلسطينية من المقاومة التي قالت إن الشعب الفلسطيني هُجِّر مرةً ولن يُهاجر مرتين، والشعب نفسه قال كلمته. لهذا تم اللجوء إلى محاولة إجراء تهجير داخلي؛ بمعنى أنه يدعو سكان شمال قطاع غزة للنزوح باتجاه جنوبها، ومع الأسف تواطأت مؤسسة دولية في هذا، وتحت عنوان إخلاء موظفيها وعائلاتهم ومن يرغب في ذلك، وأحدثوا شيئا من البلبلة، لكن المقاومة نجحت في معالجتها، وربما كان العلاج الأكبر عندما قصفت إسرائيل القافلة التي كانت تتحرك نازحةً باتجاه الجنوب، بما يبيّن لشعبنا أن هذه أيضا خديعة أخرى من شأنها أن تُستخدم للنيل من الشعب الفلسطيني.
وموضوع التهجير لم ينجح، وأنا هنا أشير إلى أن 70% تقريبا من سكان قطاع غزة هم من الذين هُجّروا من مدنهم وقراهم عام 1948، ولا زال الجيل الذي ذاق مرارة هذه الهجرة موجودا وأبناؤه وأحفاده يعرفون معنى هذه الهجرة، وحتى على الصعيد الإنساني البسيط لا يوجد من يرغب في أن يقبل مشروع التهجير مرة ثانية.
-
عسكريا.. هل شكّل الانهزام الفاضح لجيش الاحتلال في مفاجأة للمقاومة؟
دعني أقول صراحة مما سمعناه من الإخوة في قيادة القسام، وما بعث في رسائلهم أن العملية التي خطط لها كانت تتوقع ضرب فرقة غزة وضرب تماسكها وإحداث حالة انهيار فيها، ولكن التوقيت الزمني الذي كان مخططا كان أطول بكثير مما حصل خلال 4 ساعات. فبعد 4 ساعات كانت قيادة “فرقة غزة” تحت سيطرة المقاومين، وكذلك كل المواقع التابعة لها، والتقديرات كانت بوقت أضعاف ذلك.
السرعة التي أُنجزت بها عملية طوفان الأقصى شكلت مفاجأة إيجابية لعناصر المقاومة من ناحية سرعة انهيار جيش الاحتلال وتقليل حجم التضحيات في صفوف المجاهدين
وأنا أعتقد أن هذا شكل مفاجأة إيجابية للمقاومة من ناحيتين: الأولى سرعة الانهيار، وبالتالي هذا قلل حجم التضحيات بشكل كبير في “صفوف المجاهدين”.
والثانية أن هذا الجيش الذي طالما تغنى بقوته وسوّق لنفسه بأنه قادر على أن يوفر حماية لدول في المنطقة وليس لنفسه فقط، ولطالما حاول رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو أن يقول إنه قادر على شن ضربات هنا وهناك، وإن ذراعه طويلة ويستطيع أن يصيب من يريد بقوته العسكرية. وتبين أن هذه القوة العسكرية رغم بطشها ورغم قوة عتادها وتطوره فإنها قوة خاوية من الإرادة، خاوية من العقيدة القتالية لأنها لا تدافع عن حق، بل تدافع عن مال مسروق، وتحاول أن تحمي لصوصيتها، ومن يفعل ذلك تكون معركته خاسرة قبل أن يبدأها.
-
كيف نظرت المقاومة لزيارة بلينكن للمنطقة؟ وكيف تفاعلت معها؟
أنا أعتقد أن هناك 3 أهداف رئيسية لهذه الزيارة:
- الهدف الأول رفع المعنويات الإسرائيلية، والقول إن أميركا تقف إلى جانب إسرائيل، وإنها لا يمكن أن تتخلى عنها، وإن حالة الانهيار التي وقعت يمكن أن تعوض بمزيد من الدعم الأميركي.
وأنا في تقديري أن هناك غضبا صامتا الآن في الدوائر الأميركية العسكرية والأمنية، بل وحتى السياسية، من الحالة التي ظهرت عليها إسرائيل. فكل هذا الاستثمار الذي تجاوز 7 عقود في إسرائيل، ومحاولة بناء شبكة علاقات وتصويتات وصلح مع دول هنا وهناك وتطبيع، كل هذا بدا هزيلا وواهيا في مواجهة المقاومة. هذا لا شك سدد ضربة للرؤية الأميركية حول الرهان على إسرائيل وجعلها كيانا طبيعيا في المنطقة، فالهدف الأول إذن من زيارة بلينكن كان محاولة تثبيت هذا الكيان وإعادة روح التماسك إليه.
- الهدف الثاني هو محاولة بناء تحالف عربي في مواجهة الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبين يدي هذا التحالف جرى التسويق أن المقاومة قتلت النساء والأطفال وقطعت الرؤوس وقتلت النساء. وهذه الرواية لم تستطع الصمود لأنها ليست كذبة مبنية على بعض التفاصيل وإنما كذبة مخلقة من الصفر.
هناك غضب صامت الآن في الدوائر الأميركية العسكرية والسياسية من الحالة التي ظهرت عليها إسرائيل، فكل هذا الاستثمار ومحاولة بناء شبكة علاقات وتصويتات وتطبيع بدا هزيلا وواهيا في مواجهة المقاومة
المهم أن بلينكن فشل في بناء إجماع أو موقف عربي داعم لمشروع إسرائيل في ذبح الفلسطينيين وتوجيه ضربة للمقاومة، وأعتقد أنه سمع في زيارته كلامًا واضحًا أن الأزمة هي حكومة نتنياهو، وأن الحل لا بد أن يكون سياسيا، وأن إبادة المدنيين الفلسطينيين غير مقبولة.
- أما الهدف الثالث من زيارة بلينكن فكان توجيه تحذير بأن أي تطور في مشهد المواجهة مع الاحتلال سيقابله تدخل أميركي.
والآن، كيف تعاملت المقاومة مع هذه الزيارة. فنحن أولا أجرينا اتصالات واسعة على صعيد المنطقة، وشرحنا هذه العملية وأهدافها وتداعياتها المحتملة، ورؤيتنا الإستراتيجية للتعامل مع المشهد.
وأنا أعتقد أن هذا كان له تأثير إيجابي وأدى إلى فهم موقفنا بشكل واضح، وأدركت الأطراف المختلفة أن هذا الموقف ليس موجهًا ضد أحد كما حاولت الرواية الإسرائيلية أن تقول بقدر ما هي موجهة ضد الاحتلال بشكل مباشر.
وأيضًا تحركنا على صعيد موازٍ على الصعيد الوطني الفلسطيني لتكريس طبيعة هذه المعركة، وأنها معركة تحمل أهدافًا وطنية ولا تحمل أهدافًا جزئية، بمعنى أن هذه المعركة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي علينا، سواء في الأقصى أو في القدس أو الاستيطان الذي يستفحل في الضفة، أو إطلاق سراح الأسرى، وإنهاء الحصار على قطاع غزة، وبالتالي أخذت المعركة بعدًا وطنيًا دفع كل الأطراف إلى إدراك أن هذه حالة اشتباك وطني فلسطيني لا يمكن مواجهتها على قاعدة أنها اشتباك فصائلي.
بلينكن فشل في بناء موقف عربي داعم لمشروع إسرائيل في ذبح الفلسطينيين وتوجيه ضربة للمقاومة، وسمع كلامًا واضحًا أن الأزمة هي حكومة نتنياهو، وأن الحل لا بد أن يكون سياسيا، وأن إبادة المدنيين الفلسطينيين غير مقبولة
ولا شك أن عدم نجاح بلينكن في بناء هذا التحالف جعل العملية العسكرية مكشوفة، وهذا أيضا بالنسبة لنا مكسب، إذ إن العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة مكشوفة سياسيا وأخلاقيا من خلال المجزرة، وأيضا في ما لو تحركت القوات البرية فستكون أيضا عمليتها مكشوفة سياسيا على صعيد المنطقة، وقد تكون لها تداعيات أعمق من مجرد رفض بناء تحالف عربي يغطي الموقف الإسرائيلي.
-
هذه التحركات والاتصالات هل وجدت صدى لدى حلفاء المقاومة بالخارج؟
نعم، على صعيد الدعم السياسي هناك حراك من وزير خارجية إيران ومن العراق، هناك موقف واضح. وأنا أقول إن الموقف العربي في المجمل كان واضحا في رفض العدوان، وأيضا هناك رسائل وصلت للأميركيين بأن حلفاء المقاومة لن يتخلوا عنها ولن يراقبوا المشهد إذا تجاوز حدودا معينة.
نحن نراقب أداء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بشكل كامل، واستخبارات القسام ترصده بشكل تفصيلي، فإسرائيل سحبت معظم قواتها النظامية من مواقع عديدة نتيجة المعركة وتم نقلها إلى غزة، وبالتالي هي حريصة على ألا تفتح جبهة ثانية
وفي كل الأحوال يجب هنا أن أفرق بين مسألتين:
- هناك معارك تخوضها المقاومة وتعرف ما تريده خلال هذه المعارك، البعض ربما يطمح أن تكون أدوار حلفاء المقاومة على نمط مختلف وبصورة مختلفة، ونحن دائماً واضحون وصريحون، فنحن رأس الحربة في هذه المقاومة، ورأس الحربة في هذه العملية ضد الاحتلال، وهذا لا يعني أننا نقاتل بناءً على أن هناك التزامات وإنما نقاتل بناءً على أن هذا هو حقنا وواجبنا ومسؤوليتنا، ونريد أن يقوم الجميع بواجبه ومسؤوليته تجاه قضية فلسطين.
- هناك جوانب يصعب الحديث عنها الآن، ولكنها أيضا مثلت تجاوبا على صعيد دعم المقاومة في معركتها الراهنة ضد الاحتلال.
-
وهذا أيضا يدفعني إلى العمق أكثر.. فهل حلفاء المقاومة لديهم استعداد لفتح جبهة ثانية لتخفيف الضغط على غزة؟
هناك واقع بدأ يتحرك في جنوب لبنان، وهناك جهد بُذل خلال الأيام الماضية، ربما حتى الآن هذا الجهد يواجه بتراجعات إسرائيلية، لأنها حريصة على ألا يتطور هذا الجهد إلى مواجهة، فهي تدرك تماما أنها لا تستطيع أن تخوض معركة على جبهتين.
وبعيدا عن الشعارات، والحديث الإعلامي، أو محاولة رفع المعنويات، نحن نراقب أداء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بشكل كامل، واستخبارات القسام ترصده بشكل تفصيلي. فإسرائيل سحبت معظم قواتها النظامية من مواقع عديدة نتيجة المعركة وتم نقلها إلى غزة.
وبالتالي فإسرائيل حريصة على ألا تفتح جبهة ثانية، حتى وإن قال وزير حربها إنه مستعد لخوض الحرب على جبهتين وأكثر، فهو يحاول أن يرفع روحًا معنوية مهزومة عند هذا الجيش؛ لذلك يحاول ألا يستجيب لأي مواجهة تجري لأنه يدرك تمامًا أنه إذا طور المعركة على جبهة أخرى فإن هذا سيضع جيش الاحتلال في مأزق.
-
هدد الرئيس الإيراني إسرائيل إذا تدخلت بريا في غزة، فكيف تلقت المقاومة هذه الرسالة؟
لا شك أن هذا التصريح مهم سياسيا، بمعنى أنه يتحدث رئيس دولة كبرى في المنطقة والكل يعرف قدراتها وإمكاناتها. وأنا أظن أن الدوائر العسكرية والأمنية والسياسية حتى في الكيان الصهيوني تلقفته باهتمام كبير، لأن هذا جزء من تقدير الموقف في إدارة المعركة.
من يريد أن يتعامل معنا على قاعدة أن الفلسطينيين لهم حقوق ينبغي أن تُحترم، وينبغي أن يُدعم الفلسطينيون لتحقيقها، بكل تأكيد سيكون له دوره وأثره الإيجابي في قرار الحركة
ونحن في المقاومة اعتبرناه جزءا من عملية الدعم، ونقدر أن ما سينبني على هذا التصريح مرتبط بتطورات الوضع الميداني، بمعنى أنه لو توقف العدوان اليوم فإن هذا التصريح سيكون نقطة سُجلت لصالح هذا الموقف ولصالح أيضا المقاومة، وإذا تطور هذا الفعل الميداني واستدعى تدخلا، فعلى الأقل سيكون الجانب الإيراني قد أطلق تحذيرا مبكرا، والذين لم ينتبهوا لهذا التحذير أو أهملوه يكونون هم الذين أخطؤوا في تقدير الموقف.
-
الساعات الأخيرة، يتم الحديث عن مبادرات من دول عدة تتعلق بالأسرى ووقف النار جزئيا أو كليا.. فكيف تفاعلت معها فصائل المقاومة؟
أولى المبادرات التي انطلقت كانت عن موضوع الأسرى، ونحن لدينا إجابة واضحة: نعم نريد تحرير الأسرى الفلسطينيين، وبالتأكيد تحريرهم يعني إطلاق الأسرى الموجودين لدينا، ولكن هذا لا يمكن أن يتم تحت النار ولا في غضون المعركة. ولهذا سيكون هذا الموضوع مؤجلا إلى حين، فالمطلوب أولا وقف العدوان على الشعب الفلسطيني.
وهناك أيضا بعض المبادرات التي تقترح حلولا إما عامة وإما جزئية، كوقف مؤقت لإطلاق النار أو هدنة لمدة ساعات تدخل خلالها المواد الغذائية مقابل إجراء يتعلق بمغادرة حملة الجنسيات الأجنبية، وهناك أفكار أيضا تتعلق بوقف إطلاق النار بشكل دائم ضمن شروط محددة.
هناك ضغوط سياسية، ولكن نحن لدينا قناعة تامة وراسخة بالمنهج الذي اخترناه وبالطريق الذي سلكناه، ولدينا قناعة بعد طوفان الأقصى بأن مسارنا محق
لكن أنا أستطيع أن أقول إن كل هذه الاتصالات وكل هذه الأفكار لم تصل بعد إلى منتهاها، وأظنها تحتاج بعض الوقت. لأن الجانب الإسرائيلي لا يزال متعنتا، ونحن أيضا نعتقد أن الحديث عن أي حل سياسي يجب أن ينطلق هذه المرة وبوضوح من مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه، وليس من حاجات إسرائيل الأمنية كما يحاول البعض أن يسوق.
-
هل هذا التجاوب مع هذه المبادرات والتواصل مع الأنظمة الدولية يؤثر على اتخاذ قراركم بالمقاومة؟
نحن كيان سياسي وندير عملية سياسية عنوانها وهدفها الدفاع عن حقوقنا واستعادتها، وبالتالي إذا كان هناك من يدفع في هذا الاتجاه بالتأكيد سنتجاوب معه، وبكل وضوح هذا لا يعني أننا نعاني من حالة من الدونية أو الهزيمة أمام ضغوط سياسية.
وهذا ليس معناه أنه لا توجد ضغوط سياسية، ولكن نحن لدينا قناعة تامة وراسخة بالمنهج الذي اخترناه وبالطريق الذي سلكناه، ولدينا أيضا قناعة بعد عملية طوفان الأقصى بأن مسارنا هو مسار محق. وبالتالي، الذي يريد أن يتعامل معنا سياسيا -على قاعدة أن علينا كفلسطينيين أن نواصل مسيرة الاستسلام- فهذا لا يمكن أن يؤثر في قرارنا بأي حال من الأحوال. لكن من يريد أن يتعامل معنا على قاعدة أن الفلسطينيين لهم حقوق ينبغي أن تُحترم، وينبغي أن يُدعم الفلسطينيون لتحقيقها، هذا بكل تأكيد سيكون له دوره وأثره الإيجابي في قرار الحركة.
-
هناك التفاف واضح بالشارع العربي مع عملية طوفان الأقصى ومواجهة الاحتلال.. فكيف تلقت فصائل المقاومة هذا الالتفاف؟
أولا الحراك الشعبي يؤكد أصالة هذه الأمة، ويؤكد أن ثقتنا بالأمة في محلها، ويؤكد موقفنا الحاسم بأن أمتنا هي الحاضن لهذه القضية ولهذه المقاومة، وأنها كانت في محلها وستظل في محلها دائما.
والمسألة الثانية أنه لا شك أن حراك الأمة وانحيازها لخيار المقاومة كانت رسالته واضحة لكل الذين أرادوا التحريض على المقاومة، وأن هذا التحريض لا يمس مليوني فلسطيني في غزة أو 6 ملايين فلسطيني داخل فلسطين، بل سيمس أكثر من مليار مسلم وعربي في هذه الأمة، الذين لا يمكن أن يقبلوا أن يمس بهم، ويعتبرون أن المقاومة هي مقاومتهم أيضا.
وأمر ثالث يكمن في أن حراك الأمة أثبت أن المشاريع السياسية قد تقسم أمتنا، لكن مشروع مواجهة أعدائها ومشروع المقاومة هو الوحيد القادر على أن يجمع هذه الأمة على اختلاف تبايناتها السياسية والفكرية والعرقية.