تحوّل المستشفى المعمداني بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى أيقونة للقطاع الطبي في قطاع غزة، بعد أن حوّله الاحتلال إلى مجزرة هي الكبرى من حيث عدد الضحايا منذ بدء العدوان الحالي، واستشهد في ضربة واحدة 471 فردا.
ويعدّ المعمداني أقدم المستشفيات في القطاع، بل من أقدمها في فلسطين، فتاريخه يزيد عن 140 عاما، فماذا نعرف عن واقع المشافي في قطاع غزة؟
قطاع يصارع الانهيار
يبلغ عدد المستشفيات في قطاع غزة 34، حيث تدير وزارة الصحة بشكل مباشر 13 مستشفى في القطاع بسعة سريرية تبلغ 2011 سريرًا، وتقدم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) خدمات صحية لأكثر من 70% من سكان القطاع.
وتخضع بعض المؤسسات الصحية لإدارة جهات حكومية مثل الخدمات الطبية العسكرية، أو منظمات صحية مثل الهلال الأحمر والإغاثة الطبية وغيرها، كما يضم القطاع عددًا من العيادات والمستوصفات التابعة لوزارة الصحة، وجمعيات خيرية تسهم في تقديم الخدمات الطبية الأولية داخل الأحياء السكنية.
وتتوزع المستشفيات المركزية على عموم محافظات القطاع الخمس، ويوجد العدد الأكبر منها في محافظة غزة التي تعدّ بمثابة العاصمة الإدارية للقطاع، في حين تخلو محافظة رفح -الأكبر مساحة في القطاع- من أي مستشفى مركزي، وتقتصر الخدمات الطبية المقدمة فيها على المستشفى الكويتي، أما بالنسبة لباقي المحافظات الثلاث فتضم عددا من المشافي.
وهنا نذكر أبرز المستشفيات المركزية في المحافظات الخمس:
محافظة الشمال:
- المستشفى الإندونيسي (حكومي)
- مستشفى كمال عدوان (حكومي)
- مستشفى العودة (خاص)
محافظة غزة:
- مجمع الشفاء الطبي (الأكبر في القطاع).
- مستشفى النصر
- المستشفى الأهلي العربي “المعمداني”.
- مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي.
- المستشفى الميداني الأردني.
- مستشفى الشهيد محمد الدرة.
محافظة الوسطى:
- مستشفى شهداء الأقصى.
محافظة خان يونس:
- مستشفى أبو يوسف النجار
- المستشفى الأوروبي
- مجمع ناصر الطبي.
محافظة رفح:
- المستشفى الكويتي.
على خط النار
كان القطاع الطبي في قطاع غزة على خط النار طوال سنوات الحصار المتواصل منذ أكثر من 17 عامًا، والذي انعكس بشكل قاسٍ على الإمكانيات الفنية والتقنية للمستشفيات التي عانت من نقص التمويل، وأزمات متتالية من انقطاع الوقود وعدم توفر قطع الغيار.
ومنع الاحتلال دخول العديد من الأدوات والتجهيزات الطبية إلى القطاع، وقلّص التحويلات الطبية للعلاج من الخارج، مما شكل ضغطًا مباشرًا على الطاقة الاستيعابية والإمكانيات العلاجية للمشافي وفرقها الطبية.
ويضاف إلى كل ما سبق الضغط المكثف الذي تعانيه هذه المشافي في جولات العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة منذ عام 2008، إذ تستقبل يوميًا مئات الشهداء وآلاف الجرحى، مما يوصلها إلى حافة الانهيار نظرًا للضغط الذي يفوق بأضعاف الطاقة الاستيعابية والسريرية لهذه المشافي.
وبالعودة إلى عدوان الاحتلال المتواصل حتى تاريخ كتابة هذه السطور، فقد وصلت نسبة الإشغال في مشافي قطاع غزة إلى أكثر من 150% من طاقتها الاستيعابية.
وامتلأت ساحات المشافي وممرات الأقسام، خصوصًا مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، بالخيام المخصصة لاستقبال الجرحى وعلاجهم، علاوة على امتلاء ثلاجات الموتى بجثث الشهداء، مما دفع وزارة الصحة بالتنسيق مع بلدية غزة إلى افتتاح مقابر جماعية في ساحات فارغة بالمدينة لتخفيف الضغط المهول على المشافي، وتراكم جثث الشهداء في جنباتها.
أطباء على لوائح الاستهداف
مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لم يكتف الاحتلال بضرب مقومات صمود القطاع الطبي في غزة بمنع دخول المعونات الطارئة أو الفرق الطبية، بل صعد هجماته بالاستهداف المباشر للأطباء والفرق الطبية.
إذ نفذ عدة اغتيالات مباشرة استهدفت العاملين في القطاع الصحي بشكل غير مسبوق مقارنة مع كافة جولات العدوان السابقة، مستندًا على الدعم الغربي المفتوح له في العدوان على القطاع.
وحتى تاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وثقت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة استشهاد 44 من فرق القطاع الصحي وإصابة 70 آخرين، كان أبرزها الاغتيالات المباشرة التي استهدفت 3 أطباء مع عائلاتهم خلال 24 ساعة، وهم:
- الطبيب عمر فروانة عميد كلية الطب في الجامعة الإسلامية وجميع أفراد أسرته الـ14 في غزة.
- الطبيب صلاح زنون وجميع أفراد أسرته الـ7 في رفح.
- الطبيب مدحت صيدم وجميع أفراد أسرته الـ7 في النصيرات، والذي اغتالته طائرات الاحتلال فور وصوله منزله قادمًا من المشفى في زيارة خاطفة لتفقد عائلته لأول مرة منذ بدء العدوان.
كما استهدفت طائرات الاحتلال منازل عدد من الأطباء العاملين في مشافي القطاع، الذين استقبلوا أبناءهم وأفراد عائلاتهم شهداء، ومنهم:
- الطبيب حميد أبو موسى في خان يونس.
- الطبيب عبد الله أبو ندى، الذي استشهد جميع أفراد أسرته بعد قصف المنزل خلال وجوده في مجمع الشفاء الطبي لأداء واجبه في إسعاف الجرحى.
بنك أهداف طبي
وركز الاحتلال غاراته في الأيام الأولى من العدوان على استهداف 23 سيارة إسعاف بشكل مباشر بالقصف الجوي، وتسبب في إخراجها عن الخدمة تمامًا، مما ينعكس سلبا على شل قدرات تقديم خدمات الإسعاف للجرحى في الغارات المتواصلة على القطاع، علاوة على استشهاد 10 مسعفين وإصابة آخرين، وفق إحصائيات وزارة الصحة حتى اليوم السابع من العدوان.
بدورها لم تسلم المشافي من مخططات الاحتلال لتهجير شمال قطاع غزة، وتلقت تهديدات مباشرة تطالبها بالإخلاء تمهيدًا للقصف الجوي، حيث وجه الجيش الإسرائيلي تهديدات إلى 22 مستشفى ومركزا طبيا، كان من بينها 5 مستشفيات مركزية في القطاع وهي:
- المستشفى الكويتي
- مستشفى القدس
- مستشفى العودة
- مستشفى الخدمة العامة
- مستشفى كمال عدوان
وهي الخطوة التي وصفتها منظمة الصحة العالمية بأنها “حكم بإعدام المرضى والجرحى”، مشيرة إلى أن “الإجلاء القسري للمرضى والعاملين في القطاع الصحي سوف يفاقم الكارثة الإنسانية والصحية الحالية”.
كما شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات مباشرة على 19 مؤسسة صحية، من بينها 4 مستشفيات مركزية:
- المستشفى الأهلي العربي “المعمداني”
- مستشفى بيت حانون
- مستشفى الشهيد محمد الدرة
- محيط المستشفى الميداني الأردني
وقد أسفرت غارات الاحتلال التي استهدفت المرافق الصحية، عن خروج هذه المستشفيات الأربعة عن الخدمة تمامًا.
كما توقف العمل في 14 مركزًا صحيا تابعًا لقسم الرعاية الأولية في وزارة الصحة في مناطق غزة وشمال غزة نتيجة انقطاع الكهرباء ونفاد احتياطات الوقود.
لم تقتصر الحرب الإسرائيلية على القطاع الصحي في غزة على قصف المشافي واستهداف الفرق البشرية، بل امتدت إلى الحصار الخانق المفروض على القطاع ومنع دخول الإمدادات الطبية، مما دفع وزارة الصحة في غزة إلى إطلاق تحذير من نفاد مخزون الأدوية والمستهلكات الطبية والوقود، وسيؤدي ذلك إلى فقدان المزيد من الجرحى والمرضى الذين فاضت بهم جنبات المشافي وممراتها.
الرباط في المشافي
يعاني القطاع الصحي في غزة من استنزاف على مدار الساعة، وإنهاك متواصل للعدد المحدود من الأطباء والممرضين والمخبريين وسائقي الإسعاف، الذين يعملون على مدار الساعة لاستقبال أفواج لا تنتهي من الشهداء والجرحى بإصابات متفاوتة.
ولقد وصلت حصيلة العدوان في اليوم الـ13 لقرابة 4000 شهيد وأكثر من 12 ألف جريح، مما دفع وزارة الصحة إلى استدعاء كافة المتقاعدين من موظفي القطاع الصحي، وطلبت منهم الالتحاق بالعمل فورًا في المراكز الصحية.
ورغم هذه الأوضاع المأساوية، فقد شهدت معركة القطاع الصحي ندية واضحة مع الاحتلال، تمثلت في إعلان الفرق الصحية في كافة المشافي والمراكز الطبية المهددة بالقصف من طائرات الاحتلال عن الرباط في المشافي، إلى جانب المرضى والجرحى، والرفض المطلق لإخلاء هذه المستشفيات.
وصرح مدير المستشفى الكويتي في رفح “لن نترك أهلنا وحدهم، ولن نغادر المشفى إلا إلى الجنة”، رغم تهديدات الاحتلال المتواصلة والاستهدافات المتكررة التي استهدفت عددا من المستشفيات، في مشهد شكل تتويجًا عمليا للتضحيات المتواصلة التي يقدمها هذا القطاع.