أجرت مجلة بوليتيكو الأميركية مقابلة مع جوش بولس، المسؤول السابق في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية الأميركية، الذي استقال مؤخرا من منصبه على خلفية الحرب الدائرة حاليا بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
وقدم بولس (45 عاما) شرحا للأسباب التي دعته لتقديم استقالته، بدلا من إفساح المجال لإرسال مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل.
ووفقا للمجلة، لم يكن بولس حتى هذا الأسبوع شخصية معروفة خارج الدوائر الدبلوماسية والعسكرية. وقد أمضى أكثر من 11 عاما في وزارة الخارجية، وكان جل تركيزه منصبا على موضوع نقل أسلحة من الولايات المتحدة إلى دول أخرى، ترزح العديد منها تحت حكم أنظمة “مثيرة للقلق”.
نهج خاطئ
وفي المقابلة، أوضح بولس السبب الذي جعله يعتقد أن النهج الأميركي في تعامله مع حرب غزة كان خاطئا، مشددا على ضرورة أن تتبنى إسرائيل خيارات أخرى غير غزو القطاع.
ومع أنه وصف هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي بأنه “وحشي”، إلا أنه أعرب في خطاب الاستقالة عن اعتقاده بأن الرد العسكري الإسرائيلي سيزيد من المعاناة ليس غير.
وكشف أنه فوجئ بردود فعل زملائه على استقالته قائلا “تأثرت حقا بالتواصل الذي تلقيته من زملائي الحاليين أو السابقين”، حيث أبدى العديد منهم تفهمهم ودعمهم.
وقال إن نقطة التحول في مواقفه حدثت لأنه لاحظ من خلال متابعته للأحداث منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أن المداولات في وزارة الخارجية والوكالات التابعة لها لم تتطرق لكيفية الرد على تداعيات الهجوم، “وما الذي سنفعله”.
معاملة تمييزية
وأضاف أنه عادة عندما تكون هناك قرارات مثيرة للجدل تتعلق بإرسال أسلحة إلى إحدى الدول، فإن النقاشات بشأنها تكون مكثفة، وقد تستغرق أحيانا أسابيع أو شهورا، أو حتى سنوات. لكن الأمر لم يكن كذلك هذه المرة، على حد تعبيره في إشارة منه على ما يبدو إلى تزويد إسرائيل بالسلاح.
ولم تكن هناك مداولات حول الموضوع داخل الكونغرس، كما جرت العادة عندما يتصل الأمر بعمليات نقل الأسلحة “المثيرة للجدل”.
وقال المسؤول الأميركي السابق في معرض حديثه مع مجلة بوليتيكو: “أدركت أن الفرصة الوحيدة لإثارة هذا الموضوع والتشديد عليه هي عبر المنابر العامة، وكان ذلك يتطلب مني التنحي”.
وأكد أنه بعث يوم الاثنين الذي أعقب هجوم “حماس” فجر السبت، برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى عدد من القياديين بالوزارة يدعوهم فيها إلى اتخاذ موقف “مدروس” بدلا من التسرع في تقديم المساعدة الأمنية والمعدات العسكرية لإسرائيل.
وفي رده على سؤال للمجلة الأميركية عما إذا كان قام بتسهيل بيع أسلحة للعديد من الأنظمة ذات السجل السيئ في مجال حقوق الإنسان، نفى بولس أنه أقدم على شيء من هذا القبيل، بل أكد على أنه أعاق وعمل على تأخير تسليم أسلحة لهذا النوع من أنظمة الحكم.
أسباب الاستقالة
وكتب بولس -شارحا أسباب الاستقالة- أن نهج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في التعامل مع الأزمة جاء “متسرعا ومبنيا على تأكيد تحيزها (لإسرائيل)، والمصلحة السياسية، والإفلاس الفكري، والجمود البيروقراطي”.
ويشرح بعض تلك المصطلحات قائلا إنه يعني بتأكيد التحيز -أو ما يعرف بالانحياز التأكيدي- أي ميل الأشخاص أو الدول لتفضيل المعلومات التي تتسق مع أفكارهم المسبقة.
ويقول في هذا الصدد، إن الولايات المتحدة ظلت تتحدث دوما عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها لا تفكر في الخطر الذي يتعرض له الفلسطينيون جراء التوغلات الإسرائيلية المستمرة في بالضفة الغربية، أو بسبب القصف الإسرائيلي لمنازلهم في قطاع غزة.
إفلاس فكري
ويعني بالإفلاس الفكري أن الالتزام الأميركي تجاه إسرائيل فيما يتعلق بالأمن مقابل السلام لم يتحقق، بل إنه يقود إلى انعدام الأمن ويجعل السلام غاية بعيدة عن الإدراك.
ويسخر المسؤول الأميركي السابق من تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن العملية العسكرية ضد غزة تهدف إلى القضاء على حركة حماس.
ويعلق على ذلك بالقول “ربما يمكنك تدمير حماس كمنظمة، لكنك لا تستطيع عبر الوسائل العسكرية محو هويتها ونمط المقاومة الذي تمثله”.
ويمضي مؤكدا أنه “لا بد من حل سياسي، ذلك أن الوسائل العسكرية تبعدنا كثيرا عن الحل السياسي”.