تصادف اليوم، السبت 28 أكتوبر، ذكرى وفاة طه حسين، الذي يعد أحد أبرز الشخصيات الثقافية في تاريخ مصر والعالم العربي، وساهم في النهوض بالفكر والثقافة العربية من خلال أعماله الأدبية والفكرية والفلسفية.
إيهاب الملاح: طه حسين استطاع ان يمسك بمفاصل الثقافة العربية، منذ العصر الجاهلي وحتى القرن الثاني عشر الهجري
قال الكاتب إيهاب الملاح، في تصريحات خاصة لـ”صدى البلد”: “صار من المعلوم أن طه حسين هو صاحب بيان النهضة والتحديث الأهم والأشمل في ثقافتنا المصرية الحديثة، وهو أيضًا مفكر النهضة العربية الحديثة، في مراحلها المبكرة، غير مُدافع، والنهوض لا يكون بغير تقويمٍ لماضٍ لبناء حاضر واستشراف آفاق مستقبل آت، ولذا فإن سبيل رواد النهضة كان بعامة نقديا”.
وأضاف: “وقد برز دور طه حسين من بين هؤلاء الرواد، فاتخذ النظر النقدي التقويمي أداة للتعامل مع التراث، واتخذ النهج الليبرالي الجذري أداة لتأصيل الجديد وبناء المجتمع الحديث، وفتح باب الاجتهاد الفكري لتكون العقلانية أساس الإبداع الحضاري والعلمي والفني، والمنهاج الخلاق هو الذي يدل على طرائق تجاوزه”.
وتابع: “وقد دعت ظروف النهضة وغاياتها أن تتعدد إبداعات روادها في حقول كثيرة، لذا كان طه حسين أستاذ أدب، وناقدًا وأكاديميًّا محققًا، ومبدعًا (قاصا وروائيا)، وكاتبا موسوعيا، ومفكرا تربويا واجتماعيا وسياسيا.. وفي الوقت نفسه، وبفضل سعة أفقه المذهلة، وتعدد مواهبه واهتماماته وغزارة إنتاجه، كان شاعرًا (في شبابه)، وأديبًا قاصًّا وروائيًّا، وناقدًا ومؤرخًا للأدب، ومترجمًا، وأستاذًا جامعيًّا يكتب للخاصة، ومبسطًا للمعارف من أجل الجمهور، وصحفيًّا ورئيس تحرير… إلخ”.
واستطرد: “ولقد استطاع طه حسين أن يمسك بمفاصل الثقافة العربية، منذ العصر الجاهلي، وحتى القرن الثاني عشر الهجري من خلال قراءة مسحية دقيقة لأبرز أعلامه وكتبه ونصوصه الكبرى؛ من «في الشعر الجاهلي» وأدبه إلى «حديث الشعر والنثر»، إلى «حديث الأربعاء»، وصولًا إلى «ابن خلدون وفلسفته الاجتماعية»، فضلًا على تناولاته التحليلية المعتبرة لكل من المتنبي وأبي العلاء وابن المقفع والجاحظ والتوحيدي وابن خلدون، إنه بحق، وكما وصفه المرحوم عبد المنعم تليمة، قدَّم للثقافة المصرية والعربية ما يمكن تسميته بـ«بيان شامل للنهضة والتحديث» . ربما كان الأهم والأكثر إحداثًا للجدل والنقاش في مصر والعالم العربي في القرن العشرين”.
وأوضح الملاح: “وبقدر ما كان مشروع طه حسين الثقافي، يقوم في جوهره على الاحتفاء بالعقل والعلم وقِيم التنوير والحداثة والنهضة، بقدر ما كان يمثل في الوقت ذاته احتفاء بالاختلاف، والتنوع، والتعددية، والتسامح، تقريبًا، كل الشخصيات الإبداعية والثقافية الكبرى، في تراثنا الفكري والأدبي، كتب عنها طه حسين كتابةً مرجعية تأسيسية، دراسة أو أكثر، ما زالت تحتفظ بقيمتها وأهميتها حتى اللحظة (مع الاعتراف بأن جهودًا أخرى قد تجاوزت بعض ما فيها من نتائج أو آراء”.
كتابات طه حسين
وقال إيهاب الملاح: “في الشعر، كتب طه حسين عن شعراء الجاهلية، وشعراء الغزل العذري، وشعراء المجون والهزل. كتب عن المتنبي، وأبي تمام، والبحتري، وأبي العلاء، وراجع كتبه الأصيلة «مع المتنبي»، و«تجديد ذكرى أبي العلاء»، و«مع أبي العلاء في سجنه»، و«تعريف القدماء بأبي العلاء»، و«صوت أبي العلاء»، كتب عن ابن المقفع، والجاحظ، وأبي الفرج الأصفهاني، والمبرد، والتوحيدي، وابن العميد، وابن خلدون… وقارن بين أبي العلاء وكافكا، وبين ابن حزم الفقيه الظاهري الأصولي وبين ستندال الفرنسي، قارن بين كتابيهما «طوق الحمامة» و«الأحمر والأسود»، وعرَّف بأعلام الأدب الأمريكي، والفرنسي، والألماني، حتى وقته، كتب عن ابن مضاء القرطبي، وكتابه «الرد على النحاة»، وقدَّم رؤية تجديدية [جريئة] لعلم النحو العربي، وكتب مقدمة رائعة لكتاب زميله إبراهيم مصطفى «إحياء النحو»، صاحب أول محاولة لتيسير النحو العربي وطرق تدريسه، وقدم أيضًا في هذه الدائرة واحدة من دراساته العميقة المثيرة للجدل والنقاش عن «استخدامات الضمير في القرآن الكريم»، وكتب دراسته التأسيسية الملهمة (تاريخ البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر) التي تعد بحق أوفى تلخيص وتكثيف لمسيرة البلاغة العربية، والنقد العربي القديم”.
وأضاف الملاح: “وغطَّى طه حسين، ولأول مرة في تاريخ الثقافة العربية الحديثة، دراسة الأدب العربي في عصوره المتعاقبة، منذ الجاهلية، وأبرز أعلامه شعرًا ونثرًا في القرون الخمسة الأولى للهجرة، وراجع مصداق ما أقول في كتبه ذائعة الصيت؛ «في الأدب الجاهلي»، و«من حديث الشعر والنثر»، و«حديث الأربعاء» (الجزءان الأول والثاني)، و«من أدبنا القديم».. إلخ”.
وتابع: “ولن أُحدِّثك عن أعماله الرائدة في الرواية، والقصة، والسيرة الذاتية، والنصوص الأدبية الخالصة؛ فهي أشهر من أن يُشار إليها، ولكنها لا تمثل في نظري، على قيمتها وأهميتها وجمالها، سوى شريحة محدودة للغاية من أثر طه حسين الأكبر والأوسع دائرة في الفكر العربي، والتربية والتعليم، والاجتماع، والنقد الأدبي، والنقد الفكري بمعناه الشامل، والدراسات التاريخية التحليلية، والترجمة، وتحقيق التراث وتيسيره وتقريبه، والتنمية الثقافية واللغوية الشاملة، ونظراته التجديدية في كل المجالات السابقة. فضلًا على أجيال من التلاميذ الذين صاروا بدورهم أساتذة وأعلامًا وأسماء كبيرة في الثقافة المصرية والعربية”.