“اسقني الله يخليك، والله اشتقت لطعمها، سأموت من العطش”، بهذه العبارات توجه شاب بطلبه للحصول على شربة من ماء يحمله مواطن آخر، وهو يمر بالقرب من مستشفى الشفاء في مدينة غزة.
بدا الأمر وكأن كنزا لا يقدر بثمن وصل إلى الشاب المنهك من يوميات النزوح عقب انتقاله منذ أسابيع إلى المستشفى بحثا عن مأوى بعد أن دمرت الطائرات الإسرائيلية منزله في حي الشجاعية شرقي غزة.
ويعكس هذا المشهد أزمة مياه يواجهها الفلسطينيون، بعد أن قطعت إسرائيل خطوط المياه الرئيسية المغذية للقطاع منذ أن أطلقت حربها المدمرة على الفلسطينيين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وباتت أزمة المياه تتعمق بشكل متسارع منذ الأيام الأولى للعدوان، حين قطعت إسرائيل كافة الإمدادات من كهرباء وماء وعلاج ووقود، وباتت الأوضاع الإنسانية في القطاع مأساوية.
وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الوضع الإنساني في غزة “كارثي، ويزداد سوءا كل لحظة”، وإن “المدنيين في القطاع يتحملون التكلفة الإنسانية الباهظة خاصة النساء والأطفال”.
وفي وصفها لما يجري، قالت اللجنة “ما نراه في غزة لم نشهده منذ وجودنا الدائم منذ 1967، فالتدمير طال البنى التحتية للمياه والمياه العادمة، حيث خرج معظمها عن الخدمة، مما ينبئ بكارثة بيئية”.
وأكدت اللجنة أن “الحصول على نقطة مياه نظيفة للشرب، أو رغيف خبز في غزة، رحلة محفوفة بالمخاطر وتستمر لساعات”.
وتعمدت إسرائيل خلق أزمة مياه في غزة منذ بداية الحرب، وباتت سلاحا أقوى من النار ضد سكان القطاع. ويشير إلى ذلك عدة حوادث قصف نفذتها الطائرات الإسرائيلية ضد مركبات توزع المياه وخزانات فوق أسطح البنايات.
وقال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية إن إسرائيل “تعمّدت استهداف خزانات المياه والطاقة الشمسية في مستشفى الرنتيسي، لتعرّض حياة نحو 7 آلاف مريض وطاقم طبي ونازحين داخل المستشفى للموت عطشا”.
حلول قاتلة
دفعت الأزمة الفلسطينيين إلى شرب مياه ملوثة يتم استخراجها من آبار قريبة من البحر ومصارف مياه الصرف الصحي.
وفي تصريح لوكالة الأناضول، قال رامي العبادلة نائب مدير الرعاية الصحية الفلسطينية إن سكان القطاع يشربون مياها ملوثة، فالمياه مقطوعة بشكل تام والجيش الإسرائيلي قطع 3 خطوط مياه عن قطاع غزة.
وأكد العبادلة رصد نحو ألف حالة يوميا ما بين الإسهال والجدري والتهابات الجهاز التنفسي والتسمم بسبب المياه الملوثة، مقابل ألف حالة سجلت خلال 6 أشهر سابقا.
واستخراج هذه المياه من الآبار يتم عبر مولدات كهرباء صغيرة تم تحويلها من العمل على البنزين إلى غاز الطهي، فلا يوجد أي كميات وقود حاليا في القطاع، لكن الغاز موجود بكميات محدودة جدا ستنفد خلال أيام قليلة.
ولا تتوفر هذه المياه إلا في مناطق محدودة لذلك يتوجه آلاف الفلسطينيين يوميا إلى محطات بعيدة عن مناطق سكنهم أو نزوحهم، ويقفون في طوابير طويلة جدا لتعبئة غالونات (الغالون 17 لترا) في عملية تستمر عدة ساعات.
ولا يمكن لفلسطيني واحد أن يحصل على المياه والخبز في يوم واحد، فكل طابور قد يستغرق 8 ساعات لذلك يتوزع أفراد الأسرة الواحدة للحصول على احتياجاتهم.
ولكن هذا الحل لا يتوفر للجميع، فهناك بعض المناطق يصعب الخروج منها للحصول على المياه بسبب الخشية من التعرض للقصف.
وفي ظل تلك الأوضاع، يعتمد كثيرون على العصائر والمياه الغازية المتبقية في بعض المتاجر، كبديل لمياه الشرب، ولكن هذه المشروبات لا تتوفر إلا بكميات قليلة.
كل هذه المؤشرات تشير إلى أن العطش سيكون مصير الفلسطينيين في غزة خلال أيام قليلة فقط خاصة في مدينة غزة ومحافظة شمال القطاع التي لم تصلها أي كميات من المساعدات الإنسانية التي دخلت عبر معبر رفح البري على الحدود مع مصر.
ومنذ 33 يوما، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، استشهد فيها أكثر من 10 آلاف شخص، بينهم 4237 طفلا و2719 سيدة، وأصابت نحو 26 ألفا.