أعاد العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 34 يوما، والحصار الخانق المفروض عليه، الناس إلى ظروف الحياة البدائية القديمة، حيث بات الاعتماد على الفحم والحطب للطهي وجلب المياه من أماكن بعيدة، والتنقل في عربات تجرها الحيوانات، مشاهد مألوفة في القطاع.
ففي غياب الكهرباء، التي قُطعت بقرار إسرائيلي منذ بداية الحرب، يضطر مواطنو القطاع للاعتماد على الحطب وأوراق الكرتون للطهي، عندما تتوفر لديهم المواد الغذائية التي أصبحت شحيحة للغاية خاصة في المناطق الشمالية، بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يمنع دخول الأغذية والدواء والوقود إلى القطاع كما يقطع عنه الماء الكهرباء منذ أكثر من شهر.
وبسبب انقطاع الماء عن غزة، يلجأ السكان المحاصرون لجلب المياه اللازمة للاستخدام اليومي عبر الدلاء والأوعية البلاستيكية إن وجدت، بينما تعاني شريحة واسعة في مختلف أنحاء القطاع من ندرة المياه الصالحة للشرب.
أزمة مواصلات
وقد أصبح مشهد العربات التي تجرها الخيول والحمير مألوفا في القطاع، حيث بات سكان القطاع يعتمدون عليها في تنقلاتهم إلى الأماكن البعيدة في غزة، كما يضطرون لاستخدامها لنقل المصابين وضحايا القصف الإسرائيلي إلى المستشفيات بسبب نقص الوقود واستهداف جيش الاحتلال لسيارات الإسعاف التي تنقل الضحايا، علاوة على صعوبة وصول سيارات الإسعاف إلى بعض المناطق التي يطالها القصف.
وأثر انعدام الوقود في غزة على خدمات المواصلات في جميع أنحاء القطاع، واضطر آلاف المواطنين للتنقل من مكان لآخر سيرا على الأقدام.
ومؤخرا، أصبح أصحاب العربات التي تجرها الخيول أو الحمير يقدمون خدمة المواصلات بأسعار زهيدة.
وضع صعب في الجنوب
ويعيش سكان غزة حاليا وضعا إنسانيا وصحيا كارثيا، إذ بلغ عدد النازحين من منازلهم 1.5 مليون نسمة من مجمل سكان القطاع الذي يبلغ نحو 2.3 مليون نسمة، يعيشون تحت قصف مستمر منذ 34 يوما، وسط انهيار القطاع الصحي ونقص حاد في المياه الصالحة للشرب والمواد الغذائية والأدوية.
وفي مدينة رفح في جنوب القطاع، التي تعج بالنازحين الذين قدموا إليها من شمال غزة بعد أوامر بذلك من جيش الاحتلال الإسرائيلي، يتجول الأطفال في أزقة المدينة وشوارعها في رحلة يومية صباحية للبحث عن أوراق الكرتون التي تستخدمها عائلاتهم لإشعال النار لطهي الطعام.
وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية في القطاع، إياد البزم، الثلاثاء، توقف عمل جميع المخابز في غزة بعد تعرض بعضها للقصف من قبل المقاتلات الحربية الإسرائيلية، وتوقف البعض الآخر عن الخدمة بسبب عدم توفر الوقود والدقيق، مما يهدد بالتسبب في كارثة خطيرة.
ودفعت هذه الظروف القاسية الكثير من سكان القطاع للاعتماد في طعامهم على المواد الغذائية المعلبة إن وجدت، وبات الناس يتناولون وجبة واحدة في اليوم لترشيد استهلاك ما تبقى لديهم من مخزون غذائي.
مجاعة في الشمال
أما الحال في مدينة غزة ومناطق الشمال فيبدو أشد قسوة، حيث نفدت المواد الغذائية المعلبة، ولم يعد السواد الأعظم من المواطنين يجدون ما يسد خلتهم من الطعام.
ونسبت وكالة الأناضول عن أحد سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، قوله إن ما تبقى لدى عائلته من مخزون الطعام هو رغيف خبز واحد، تخصصه العائلة للأطفال فقط الذين لا يتحملون الجوع.
وأضاف “بعد يومين سندخل في مجاعة، ونخشى من نفاد المياه، التي هي أصلا شحيحه للغاية، في وقت لاحق”.
شح المياه
ويواجه سكان غزة صعوبة كبيرة في نقل المياه من محطات التعبئة إلى المنازل، وباتوا يعتمدون في ذلك على نقلها باستخدام الدلاء والأوعية البلاستيكية والخزانات الصغيرة.
فيضطر الشخص الواحد للذهاب إلى محطة تعبئة المياه عدة مرات يوميا للحصول على كمية من الماء تكفي لاستخدام عائلته اليومي؛ إن توفرت المياه.
في المقابل، فإن مركبات نقل المياه تعجز عن الوصول إلى منازل المواطنين بسبب نفاد كميات الوقود المتوفرة لديها.
ونقلت وكالة الأناضول عن أحد سكان القطاع من مدينة رفح، قوله “نهاتف محطة تعبئة المياه، فتقول لنا وفروا لنا الوقود لكي ننقل إليكم المياه، ونضعها في الخزانات على سطوح بيوتكم”.
ويضيف: “هذا أمر في غاية الصعوبة، إذ لا يتوفر لدينا الوقود والغاز، وإن وجد فهو يباع بأسعار مرتفعة للغاية، لذلك نضطر إلى نقل المياه بشكل يدوي وهو أمر مرهق للغاية”.
وفي أجزاء من القطاع، يتنقل باعة متجولون بعربات تجرها الخيول أو الحمير، لبيع المياه المالحة، وتسهيل وصولها إلى المواطنين، مقابل مبالغ زهيدة أيضا.
لكن تلك المياه لا تصلح للشرب، وغالبا ما تسبب مشاكل صحية لمن يضطرون لشربها، مثل الإسهال والنزلات المعوية والمغص الحاد، وفق إفادات مواطنين وأطباء في القطاع.