11/11/2023–|آخر تحديث: 11/11/202301:48 م (بتوقيت مكة المكرمة)
لم يستطع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصمود لفترة أطول أمام الانتقادات الداخلية والخارجية له باتباع ازدواجية المعايير في التعامل مع المجازر الإسرائيلية المروعة في قطاع غزة، فبادر بشكل مفاجئ إلى تنظيم مؤتمر إنساني دعا فيه إلى هدنة إنسانية، ثم إلى وقف شامل لإطلاق النار.
فماكرون، الذي دعا -يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- لتشكيل تحالف إقليمي ودولي لمكافحة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، هو ذاته الذي دعا إلى تشكيل تحالف إنساني من أجل غزة، بعد 3 أسابيع من تصريحه الأول الذي لاقى استهجانا من أطراف محلية ودولية.
وهذا الموقف إزاء الحرب في غزة -الذي وصفه بعضهم بالمرتبك- علّق عليه ساخرا زعيم حزب “فرنسا الأبية” اليساري جون لوك ميلونشون، في تغريدة له على موقع إكس الخميس الماضي، قائلا بعد شهر ويومين من القصف دون توقف، و10 آلاف قتيل بينهم 4500 طفل، أثار الرئيس الفرنسي أخيرا النقاش بشأن (وقف) إطلاق النار، فهل سيتصرف أخيرا.
وخلال المؤتمر الإنساني، الذي عقد أول أمس الخميس في باريس، تحدث ماكرون في كلمته عن هدنة إنسانية، ومن ثم العمل على وقف إطلاق النار.
مظاهرات تحدٍ
في المقابل، تشير وكالة الأناضول إلى أنه باستثناء فرنسا لا توجد أي دولة في العالم -بما في ذلك إسرائيل- تفرض عقوبة السجن 5 سنوات على من يدعم علنا حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.
فوزير العدل الفرنسي إريك دوبوند موريتي قال إن أي شخص يدعم علنا حركتي حماس والجهاد الإسلامي سيواجه عقوبة السجن لمدة 5 سنوات.
كذلك حظر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني في جميع أنحاء البلاد، واتهم النجم الفرنسي من أصول جزائرية كريم بنزيمة بأنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين بسبب تغريدة له داعمة لسكان غزة، مما دفع بنزيمة إلى الإعلان -عبر محاميه- عن اعتزامه رفع دعوى قضائية على دارمانان وآخرين.
لكن تلك الضغوط لم تمنع آلاف الفرنسيين من الخروج في مظاهرات حاشدة داعمة لفلسطين ورافضة للإبادة الجماعية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة.
وقد شاركت عدة أحزاب ونقابات ومنظمات فرنسية في هذه المظاهرات، على غرار نقابة الكونفدرالية العامة للشغل، وحزب فرنسا الأبية والحزب الشيوعي الفرنسي، ومبادرة طوارئ فلسطين.
ونظمت هذه المظاهرات في عدة مدن فرنسية، مثل العاصمة باريس ومرسيليا وستراسبورغ وتولوز ونانت وديغون، في الرابع والخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، رغم تهديدات السلطات المحلية والأمنية باعتقال كل من يرفع شعارات داعمة لحماس أو معادية للسامية.
ورفع المتظاهرون خلال تلك المظاهرات شعارات تدعو لوقف إطلاق النار ووقف الإبادة الجماعية في غزة، ودعا الزعيم اليساري ميلونشون، في مظاهرة بباريس، إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، منتقدا موقف ماكرون الداعي إلى هدنة إنسانية.
خطوة للوراء
وقد دفع هذا الضغط الشعبي -في ما يبدو- الرئيس ماكرون للتراجع خطوة إلى الوراء، فنظم مؤتمرا للإنسانية رافضا اتهامه بازدواجية المعايير، قائلا بالنسبة إلينا -نحن الذين نحمل هذه القيم الإنسانية العالمية- لا يمكن أن نكيل بمكيالين.
ومع أنه أكد أمام مؤتمر الإنسانية أن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس، فإنه اعتبر أن الحرب على الإرهاب يجب ألا تتم من دون قواعد، مضيفا “لدينا خيارات مشتركة، تجب حماية المدنيين”.
وذكرت وكالة الأناضول أن هذا الموقف هو أقصى انتقاد وجهه ماكرون إلى تل أبيب، إذ لم يدن “جرائم إسرائيل ولم يعتبر قتل الأطفال والمدنيين وقصف المستشفيات والمساجد والكنائس ومحاولات تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء المصرية جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية”.
لكنه قال -في تصريح آخر ضمن مقابلة له مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”- إنهم يشاطرون إسرائيل وجعها ويشاركونها “رغبتها في التخلص من الإرهاب، لكن في الواقع اليوم ثمة مدنيون يُقصفون، هؤلاء الأطفال، هؤلاء النساء، هؤلاء الكبار في السن يتعرضون للقصف والقتل” وأضاف “لا يوجد أي مبرر ولا أي شرعية لذلك. لذا نحض إسرائيل على التوقف”.
وكان ماكرون أوفد وزير داخليته إلى الجزائر في الرابع والخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أي قبل انعقاد المؤتمر بأيام قليلة، رغم الخلاف بين الطرفين بشأن الوضع في غزة، خاصة بعد دعوة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف لفضح ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية.
وتحاول باريس إبعاد تهمة ازدواجية المعايير عن نفسها بتذكير الدول الداعمة للقضية الفلسطينية بأن فرنسا صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح وقف إطلاق النار في غزة، الذي حاز على تأييد 120 دولة، ومعارضة 14، بينها الولايات المتحدة.
تحركات ومبادرات
وجاء مؤتمر الإنسانية في فرنسا بعد تحرك عدة مبادرات قدمتها دول من أجل تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة المحاصرين والمهددين بالموت جوعا وعطشا وبسبب القصف الإسرائيلي.
كما طالبت 75 منظمة إنسانية وحقوقية (غير حكومية) بوقف فوري لإطلاق النار، وشددت على ضمان دخول المساعدات إلى غزة واحترام القانون الإنساني الدولي، في ظل حصار مطبق على القطاع المحروم من الماء والكهرباء والوقود، وهو ما من شأنه زيادة عدد القتلى بعد وصول الوضع الإنساني إلى مرحلة حرجة للغاية.
وأشارت الوكالة إلى أن ضعف المشاركة في المؤتمر يمثل إشارة إلى فقدان فرنسا مصداقيتها وتأثيرها رغم إعلانها تقديم مساعدات إنسانية لفلسطين بـ100 مليون يورو حتى نهاية العام الجاري.