انتقد الكاتب الأميركي توماس فريدمان رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسلام مع الفلسطينيين، قائلا إنها وصفة لكارثة ستحل بإسرائيل وأميركا واليهود في كل مكان وحلفاء الولايات المتحدة من العرب المعتدلين.
وأوضح فريدمان أنه كان يحزم أمتعته لمغادرة إسرائيل -بعد 9 أيام من زيارته لها لتغطية الأحداث هناك- عندما كشف نتنياهو عن رؤيته تلك في مؤتمر صحفي صرّح فيه إلى وجود خلاف بين بلاده والولايات المتحدة، بشأن كيفية إنهاء الحرب المشتعلة في قطاع غزة.
وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن البلدين ليس لديهما رؤية مشتركة حول الكيفية التي ينبغي لإسرائيل أن تكمل بها حربها في غزة، أو كيفية تحويل أي انتصار إسرائيلي إلى سلام دائم مع الفلسطينيين.
وفي مقاله الأسبوعي بصحيفة “نيويورك تايمز”، علّق فريدمان على تصريحات نتنياهو قائلا، إنه “يتعين علينا إما أن نصبح أسرى لإستراتيجية نتنياهو -التي قد تطيح بنا جميعا معه- وإما أن نضع رؤية أميركية للكيفية التي يجب أن تنتهي بها حرب غزة”.
وأضاف أن ذلك سيتطلب خطة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “لإنشاء دولتين لشعبين أصليين يعيشان في مناطق غزة والضفة الغربية وإسرائيل”.
واستفاض الكاتب الأميركي في التعليق على خطة نتنياهو، ووصفها بأنها رؤية واحدة فقط في الوقت الحالي، وتتلخص في أن “7 ملايين يهودي يسعون لحكم 5 ملايين فلسطيني إلى الأبد”، وهو ما عدّه فريدمان وصفة لكارثة على إسرائيل وأميركا واليهود في جميع أنحاء العالم، وعلى حلفاء أميركا العرب المعتدلين.
وذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض في مؤتمره الصحفي المخاوف الأميركية والدولية بشأن آلاف الفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم في الحرب. والأهم من ذلك -برأي الكاتب- إعلانه بأن الجيش الإسرائيلي سيبقى في غزة طالما كان ذلك ضروريا.
فريدمان: خطة نتنياهو تقوم على أن يظل 7 ملايين يهودي يحكمون 5 ملايين فلسطيني إلى الأبد.. وتلك وصفة لكارثة على إسرائيل وأميركا واليهود في جميع أنحاء العالم
خطة سلام
ويعتقد فريدمان أن نتنياهو -بإعلانه عن رؤيته تلك- إنما ينفّذ حملة انتخابية تمكّنه من الاستمرار في الحكم. ولإحباط هدفه، فإن الوقت قد حان لكي يكشف الرئيس بايدن عن خطة سلام “عادلة” لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تعكس المصالح الأميركية، وتمكن واشنطن من دعم إسرائيل والفلسطينيين، وكسب دعم العرب المعتدلين لإعادة الإعمار “الاقتصادي” لغزة بعد الحرب.
لكنه لا يرى مثل هذا الدعم ممكنا من أوروبا أو من الإمارات والسعودية، ما لم تلتزم إسرائيل و “بعض” السلطة الفلسطينية “الشرعية” بمبادئ السلام القائم على إنشاء دولتين لشعبين.
ووفقا للمقال، فإن على بايدن أن يقول لإسرائيل، “نحن نغطي جناحكم عسكريا بحاملتي طائراتنا، وماليا بمساعدات بقيمة 14 مليار دولار، ودبلوماسيا في الأمم المتحدة. وثمن ذلك هو قبولكم لإطار سلام يُبنى على دولتين لشعبين أصليين في غزة والضفة الغربية وإسرائيل ما قبل 1967”.
فريدمان: على بايدن أن يقول لإسرائيل: نحن نغطي جناحكم عسكريًا بحاملتي طائراتنا، وماليًا بمساعدات بقيمة 14 مليار دولار، ودبلوماسيًا في الأمم المتحدة. وثمن ذلك هو قبولكم لإطار سلام يقوم على دولتين لشعبين أصليين في غزة والضفة الغربية وإسرائيل ما قبل عام 1967
وعمد الكاتب إلى تذكير نتنياهو بخطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب التي منحت الفلسطينيين نحو 70% من الضفة الغربية لإقامة دولة، بالإضافة إلى قطاع غزة الموسع وعاصمة في منطقة القدس، وهي الخطة التي وافق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه، واصفا إياها بأنها اختراق تاريخي”، ورفضتها السلطة الفلسطينية “بحماقة”، ناصحا إياها بأن هذه فرصة للتعويض عن خطئها، حسب قوله.
وتقوم خطة ترامب -طبقا للمقال- على إمكانية تحقيق السلام، بشرط الإطاحة بحركة حماس من حكم قطاع غزة، على أن تتولى السلطة الفلسطينية زمام الأمور فيه.
ويطرح فريدمان أفكارا على بايدن لكي يتبناها في خطته، موضحا أن بإمكان الرئيس الأميركي –”بمساعدة من حلفائه العرب المعتدلين؛ مثل: الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين”- أن يقترح طريقة للتوصل إلى خطة تستند إلى إصلاح السلطة الفلسطينية، وتطهير نظامها التعليمي من المواد المناهضة لإسرائيل، وتحديث قواتها التي تعمل يوميا مع فرق الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية، والإلغاء التدريجي لدعمها المالي للسجناء الفلسطينيين الذين ألحقوا الأذى بالإسرائيليين، على حد تعبير المقال.
فهل السلطة الفلسطينية مستعدة لمثل هذه الصفقة؟ وهل أنصار الفلسطينيين “التقدميين” في الغرب مؤهلون لذلك؟ يتساءل الكاتب، ويمضي فيقول، إنه يعلم أن كثيرا من الزعماء اليهود الأميركيين يرغبون سرا في أن يطرح بايدن مثل هذه الخطة.
لكنه يستدرك أن واحدا منهم فقط هو رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، رونالد لودر، هو الذي أوضح في مقال بإحدى الصحف السعودية أن حل الدولتين وحده كفيل بأن يضمن للإسرائيليين والفلسطينيين حياة كريمة وآمنة.
ويخلص الكاتب إلى أنه إذا تبنت إسرائيل خطة الدولتين “حتى ولو مع بعض التحفظات، فإن من شأن ذلك أن “يعزز نظرة العالم إلى أن حربها في غزة لازمة للدفاع عن النفس، ومقدمة لسلام دائم”.
وإذا تبنت السلطة الفلسطينية، بدورها، هذه الخطة “حتى مع بعض التحفظات”، فإن ذلك من شأنه أن يعزز أن السلطة تنوي أن تكون البديل لحماس في تشكيل مستقبل مستقل للفلسطينيين إلى جانب إسرائيل، وأنها لن تقف موقف المتفرج على أفعال حماس أو تقع ضحية لها.