دخلت الحرب بين حماس وإسرائيل شهرها الثاني وذلك بعد أن شنت حركة حماس هجوماً على اسرائيل في 7 أكتوبر 2023 في عملية أسمتها بــ”طوفان الاقصى” وهو ما ردت عليه اسرائيل بعملية “السيوف الحديدية”، وكانت قد اعلنت الولايات المتحدة أمس الثلاثاء، سلسلة عقوبات جديدة، فرضتها بالتنسيق مع بريطانيا، على مسؤولين في حركة حماس وأفراد مرتبطين بهم، وخصوصا مسؤولا في حركة الجهاد، حيث تشارك حركة الجهاد إلى جانب حماس في المعارك في قطاع غزة، ضد الجيش الإسرائيلي.
وتعتبر هذه ثالث حزمة من العقوبات الأميركية على حماس منذ بدء الحرب مع إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، وأورد بيان لوزارة الخزانة الأميركية، أن هذه العقوبات تستهدف “المسؤولين الرئيسيين في حماس والآليات التي تعتمدها إيران لدعم حركتي حماس والجهاد”.
مصير حركة حماس
قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، ورئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، إن “حماس” تسعى في الوقت الراهن إلى البقاء في صدارة المشهد على اعتبار أن ما تحقق في السابع من أكتوبر الماضي كان مرحلة مختلفة تماماً عما قبلها من تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل وبناء نظرية ردع في مقابل ما تطرحه تل أبيب، لكن بعد أسابيع عدة من المواجهة الأولى اكتشفت “حماس” أن التقييمات السياسية والاستراتيجية تحتاج إلى مراجعة في ظل ما يجري من تحديات حقيقية أدت إلى تدمير مواقعها ومخزون سلاحها إضافة إلى تدمير البنية الأساس، وإن ظلت الحركة تناور وتؤكد تدمير 10 في المئة فقط من بنيتها الأساس، وإن لوحظ أن مستوى استهداف الحركة قد جرى في سياق محدد حيث خف تماماً إطلاق الصواريخ من القطاع إلى المدن الإسرائيلية.
وأضاف خلال مقال له نشر عبر “إندبندنت عربية” ستظل “حماس” ممسكة بأوراق ضاغطة وعلى رأسها ورقة الرهائن والأسرى مما سيطيل التعامل معها كطرف رئيس في المشهد الفلسطيني من خلال قدرة الحركة، من واقع الخبرات المتراكمة، على المرونة والتلون وفق حساباتها وقدراتها، مما جعلها تصدر وثيقة لتعديل مسارها التاريخي والأيديولوجي مع استقوائها، وبخاصة المكتب السياسي في الجانب المصري في ظل التباين اللافت في المواقف بين الجناح العسكري والمكتب السياسي في الداخل والخارج (الموقف من إيران والموقف من حزب الله)، إضافة إلى الجانب القطري، وستقوم “حماس” بتقييم لمساحات التعامل المحتملة مرحلياً مع إسرائيل وحاجتها الماسة إلى طرف موثوق فيه لتمرير الرسائل والمواقف والاتجاهات، وهو ما ينطبق على الجانب المصري، وتتخوف “حماس” من تقليص مساحة القطاع وسيطرة إسرائيل على مساحة محددة منه، مما سيتطلب الاستمرار في المواجهة حتى لو جرى وقف إطلاق النار أو القبول بخيارات سلمية والاعتراف بحدود الخامس من يونيو (حزيران) 1967 مما يقرب رؤيتها من مقاربة حركة “فتح”.
واستكمل: وفي ظل هده الأجواء تتحرك “حماس” في ثلاث مسارات، الأول الاستمرار في المقاومة ومحاولة نقل رسالة إلى الجمهور الفلسطيني سعياً إلى تغيير قواعد الاشتباك بصورة كبيرة على رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الحركة، ومن ثم فإن خط الاستمرار سيكون مكلفاً وبخاصة أن المستوى العسكري يريد أن ينقل رسالة مباشرة بأن الحركة متماسكة وليس لديها أية إشكالات في الاستمرار مع إطالة أمد المواجهة، وهو أمر قد يذهب بالحركة في ظل استمرار توجيه الضربات المباشرة وتعرضها لخسائر كبيرة.
وتابع: وعلى رغم ذلك فإن كلفة الاستمرار في المشهد الراهن يعني انتحار الحركة سياسياً وعسكرياً، بخاصة وأن هذا المسار سيعني أن الحركة قد تواجه الخيار الصفري في المواجهة الراهنة، بل وإمكان إنهاء حكمها فعلياً والتحول إلى جيوب في كل الأحوال داخل القطاع إذا كان التصميم على الذهاب إلى مواجهة مفتوحة.
واردف : أما المسار الثاني فهو الدخول مباشرة والنفاذ إلى خط المواجهة من خلال اتباع استراتيجية حقيقية للتعامل، ومنها الذهاب إلى التفاوض المرحلي مع الإعلان عن القبول بكل الأطروحات في دائرة من السرية من خلال الوسطاء مثل مصر وقطر، مما يعني الاستمرار في التفاوض مع الإمساك مجدداً بورقة الأسرى العسكريين مع عدم الممانعة في تسليم الرهائن المدنيين شرط الاستمرار في الحكم أو في الأقل وفي أسوأ الخيارات الذهاب إلى شراكة مع السلطة أو التحول إلى حزب سياسي، مما يعني أن الحركة ستعمد إلى تنفيذ مخطط مرحلي من التفاوض إلى المقاومة المتقطعة مع إطالة أمد المواجهة لإيقاع خسائر أخرى اقتصادياً لإسرائيل، والعزف هنا على دور الجمهور الإسرائيلي واستمرار التظاهرات في بعض العواصم الأوروبية مع التأكيد على الخيار الأخير، وهو التحول إلى السياسة والإعلان تدريجياً قبولها بالخيارات العامة، ومن ذلك إقدام المكتب السياسي للحركة على تنازله رسمياً عن فكرة فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر والقبول بمبدأ الخامس من يونيو على حدود 1967، وهنا تكون اقتربت من أفكار ومبادئ حركة “فتح” لتكون شريكاً في الحكم في أي توقيت، مع الالتزام بمبدأ محدد ووفق أسس منظمة التحرير الفلسطينية من دون تحديد أنصبة مقترحة على عكس ما كان مطروحاً، خصوصاً أن “حماس” ستحتاج إلى مراجعة في إطار ترميم النظام السياسي الفلسطيني بأكمله، مما يضعها في مرحلة جديدة من دون خسائر كاملة أو تنازلات مؤلمة أو حتى الاعتراف بإسرائيل أو نبذ العنف والتحول إلى السياسة، وهنا قد ستكون تجربة “حزب الله” ماثلة في الأذهان وقابلة للتكرار في الداخل الفلسطيني، لكن الإشكال سيكون مرتبطاً بما يمكن أن يطرح في المقابل، بخاصة مع عدم تحقيق المصالحة الفلسطينية حتى الآن واستمرار الانقسام السياسي بين حركتي “فتح” و”حماس”.
وأكد: أما المسار الثالث فسيكون الذهاب إلى المواجهة الأخيرة الصفرية مع اعتماد استراتيجية عدم الممانعة في التفاوض حول أسرى الحرب الراهنة، مع الاتجاه قدماً إلى تحقيق مكاسب سياسية أو معنوية لرفع أسهم الحركة في الساحة الفلسطينية، ومحاولة تحويل الخسائر إلى مكاسب ولو شكلياً، مما يؤدي إلى إعادة تعويم دور الحركة في محيطها الفلسطيني والعربي ويعطي دلالات معينة مرتبطة بالذهاب إلى المواقف والاتجاهات السياسية الراهنة، بخاصة أن التحول يحتاج إلى مراجعات حقيقية وإقدام على استراتيجية مخالفة لما هو قادم مع التوقع بوجود خسائر حقيقية إن استمرت في اتباع هذا المسار واحتمال إقدام الأطراف الوسيطة على العمل في اتجاهات منضبطة ترفض سياستها وتذهب إلى استراتيجية بديلة تضع الأولويات الفلسطينية والعربية على أي اعتبار آخر في التوقيت الراهن، حتى مع احتمال القبول بدور للحركة ولو على الهامش مع التسليم بأن الحركة نجحت في تغيير شكلي للمقاومة وفقاً لمنظورها.
وأشار: القبول بنزع سلاح المقاومة سواء بقرار من الحركة أو من خلال السلطة الفلسطينية لن يكون سهلاً وسيحتاج إلى مراجعات من مستويات مختلفة في إطار معادلة ردع مقابلة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من المواجهات المحتملة من قبل كل الأطراف في ظل رفض المستوى العسكري للحركة هذا المسار لأنه سيؤدي إلى ذهاب “حماس” في غزة حال تصميم إسرائيل على الوجود لبعض الوقت داخل القطاع والعمل من الداخل مع سلطة فلسطينية، ومراقبة دولية وبخاصة من الـ “ناتو”، مما يؤكد أن الحركة يمكن أن تواجه خيارات صعبة حقيقية وغير نمطية، وسيظل الدور الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب ماضياً في مسار تشكيل حكومة عسكرية إسرائيلية موقتة تشرف على قطاع غزة بالكامل، من خلال ضمان توفير الأمن والدعم الدولي لإعادة تأهيل غزة إلى أن يحظى حل إقليمي بدعم دولي شامل مع السعي نحو دمج القوى العسكرية المحلية والإقليمية، بما في ذلك القوات الإسرائيلية والفلسطينية والمصرية والإقليمية في قوة واحدة تحكم القطاع، على أن يلعب جيش الدفاع الإسرائيلي دوراً رئيساً في هذه القوة متعددة الجنسيات.
هل ستستسلم حماس؟
في هذا الصدد قال الدكتور خالد شنيكات رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، إن الحرب لازالت مستمرة في قطاع غزة بين فصائل المقاومة الفلسطينية من جهة والجيش الاسرائيلي من جهة اخرى، و حتى اليوم من الصعب التكهن بنهاية الحرب، لكن واضح الذي ينهي الحرب هو امرين، الامر الاول هو تكلف اسرائيل خسائر كبيرة خاصة انها لا زالت في الشمال ولم تسيطر عليه بعد، و اذا دفعت اسرائيل تكاليف كبيرة قد تعيد النظر بسياسة الحرب بخيار الحرب وتبحث بحلول سياسية، ولكن الخيار صراحة ليس سهلا، أما عن الخيار الثاني وهو احتلالها لقطاع غزة والقضاء على حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، و لا يوجد حلول سياسية حتى هذه اللحظة موجودة على الطاولة لدفع بتسوية سياسية، حيث إن الاسرائيليين ذاهبين للحرب حتى النهاية وحماس ستقاوم حتى النهاية وهم جماعة يؤمنون بالاستشهاد والقتال حتى اخر لحظة.
وأضاف الدكتور خالد شنيكات خلال تصريحات لــ”صدى البلد” لا زال الفلسطينيون ملتفين حول حركة حماس، و لا يوجد مظاهرات في غزة ضد حماس او فصائل المقاومة ، أما عن مصير غزة عقب انتهاء هذه الحرب مرتبط بكيفية سير الامور على ارض المعركة، فهل سنشهد تراجعاً للجيش الاسرائيلي مما يعني ضمن انتصار فصائل المقاومة الفلسطينية، أما انتصار للجيش الاسرائيلي و اعادة السيطرة على النواحي الامنية لاسرائيل في قطاع غزة بشكل كلي وتنصيب سلطة هامشية ضعيفة، وربما يتم استدعاء السلطة الوطنية الفلسطينية مرة اخرى الى قطاع غزة لادارته، ولكن تبقى السيطرة الامنية لكافة اركان القطاع بيد الجيش الاسرائيلي.
واستكمل: الحرب ستنتهي باستسلام احد الطرفين، و حتى هذه اللحظة فإن حماس بحكم التركيب الايديولوجي والعقائدي لها ستقاتل حتى الاخر هي وكافة الفصائل الفلسطينية، و بالنسبة لاسرائيل فسوف تقاتل حتى تقف عند حد معين من الخسائر، فان لم تستطع تحمل هذه الخسائر ستعود للحديث عن وسائل سياسية.