إسطنبول- أظهرت الأيام الأولى من الحملة الانتخابية الثانية للمرشحين الرئاسيين في تركيا ملامح خطاب انتخابي جديد من الطرفين، تستهدف التمسك بالناخبين الذين صوتوا لهم واستقطاب ناخبين آخرين، ليشكل الخطاب السياسي والإعلامي أساسا لتقييم نقاط القوة والضعف لكل منهما.
شكلت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التي جرت في 14 مايو/أيار الجاري مفاجأة للباحثين ومراكز استطلاعات الرأي، التي كان معظمها قد توقع تقدم مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو على الرئيس رجب طيب أردوغان، لتأتي النتائج مغايرة بتفوق أردوغان بفارق مريح عن منافسه.
وتمتع أردوغان بموقع متقدم في الجولة الأولى، إذ يفصله عن منافسه الرئيسي نحو 4.5 نقاط، فيما كان ينقصه فقط 250 ألف صوت لحسم النتيجة بحسب الهيئة العليا للانتخابات.
كما صبّت نتيجة الانتخابات البرلمانية في مصلحته بعد نيل تحالف الجمهور الذي يقوده غالبية مقاعد البرلمان، مما يجعله خيارا مفضلا للرئاسة من قبل بعض الناخبين الذين يفضلون الاستقرار السياسي.
في المقابل، تمكن كليجدار أوغلو من الحصول على 44.9% من الأصوات، وهي نسبة غير مسبوقة لمرشح من المعارضة منذ تحوّل اختيار الرئيس إلى الانتخاب الشعبي عام 2014، وهو يراهن على أصوات أكثر من 12 مليون ناخب لم يصوتوا أو أبطلت أصواتهم في الجولة الأولى.
وفي مقابل الفرص التي يحظى بها كل من المرشحين لنيل جزء من أصوات هؤلاء الناخبين، ثمة نقاط قوة وضعف لكل منهما، يمكن لها أن تحدد في النهاية حظوظهما في نتائج الجولة الثانية، ويتجلى ذلك في الخطابات الانتخابية.
أولويات أردوغان
يرى رجل الأعمال التركي عضو حزب العدالة والتنمية يوسف كاتب أوغلو أنه لا تغيير في سياسة أردوغان الانتخابية، لكن ثمة إعادة ترتيب لبعض الأولويات.
ويؤكد كاتب أوغلو للجزيرة نت أن أولويات أردوغان الحالية تقوم على 5 بنود، تتماشى مع المرحلة الحالية قبيل الجولة الثانية من الانتخابات: أولها التركيز على مساعدة المتضررين من الزلزال بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية وسرعة إعادة إعمار مناطقهم، معتبرا أن زيارة الرئيس التركي نهاية الأسبوع الماضي لولايات ضربها الزلزال مثل غازي عنتاب وكهرمان مرعش وهاتاي، جاءت في هذا السياق.
أما الأولوية الثانية، وفقا لكاتب أوغلو، فتكمن في الإصرار على الإعلان عن مفاجآت ولا سيما في قطاع الطاقة، وتتمثل الثالثة في التركيز على المكتسبات الديمقراطية التي تحققت في عهده، مقابل تسليط الضوء على فشل المعارضة بتركيزها على قضية اللاجئين السوريين وخطاب العنصرية والكراهية.
كما يعوّل أردوغان، كأولوية رابعة، على دعم شريحة المحافظين الذين عانوا من “الاستبداد العلماني” في العقود الماضية، وعلى كسب دعم الفئة الشبابية كأولوية خامسة، إذ تجلى ذلك -كما يقول المتحدث- في افتتاحه قبل أيام مكتبة رامي، وهي أضخم مكتبة في البلاد بحضور جمع من الشباب والشابات.
خطاب كراهية
في المقابل، طرأ تغيير على خطاب المرشح الرئاسي للمعارضة كمال كليجدار أوغلو في حملته الانتخابية الثانية، وبدأها بنشر فيديو على حسابه في تويتر تضمن جنوحًا نحو ما وصفته منظمات حقوقية بخطاب كراهية ضد اللاجئين، ورفع فيه شعار “السوريون سيرحلون”، وهي عبارة تحولت إلى لافتة انتخابية علقت في العديد من شوارع البلاد.
ويعتقد الكاتب والصحفي التركي راغب صويلو أن إستراتيجية كليجدار أوغلو في الجولة الثانية قائمة على “حملة قومية متوترة”، في وقت يضع فيه الناخبين أمام خيار ثنائي، إما: هو أو أردوغان.
ولاحظ الصحفي التركي حمزة خضر أن كليجدار أوغلو تخلى عن شعار “أعدكم”، وبدأ استخدام شعار أكثر صرامة وهو “قرر” الذي ترافق مع معاداة واضحة للمهاجرين عموما والسوريين خصوصا.
وفيما فضّل مرشح المعارضة في الفترة التي سبقت الجولة الأولى التخفيف من حدة خطابه ضد اللاجئين السوريين، يعتقد الصحفي التركي أن فشل كليجدار أوغلو في تخطي عتبة (50+1) بحصوله على 44.5% جعله يعمل على خطة “إسعافية” في نظره، وهي استهداف اللاجئين السوريين، إذ يرى أنها أكسبت المرشح الرئاسي عن تحالف “الأجداد” سنان أوغان أكثر من 5% من الأصوات.
ومع ذلك، كشف دورسون تشيشك النائب عن حزب الشعب الجمهوري الذي يقوده كليجدار أوغلو، عن إستراتيجية الأخير للفوز في الجولة الثانية.
وقال تشيشك للجزيرة نت إن مرشح المعارضة يعوّل على أن تصل نسبة المشاركة في التصويت إلى حوالي 90%، مع ضمان التعاون بين أطراف المعارضة للحصول على أصواتها كاملة.
كما سيعمل كليجدار أوغلو، بحسب النائب التركي، على “إبطال دعوى أردوغان بوجود ضعف في رؤيته لمكافحة الإرهاب”.
بين التناسق والتناقض
يقول الصحفي التركي حمزة خضر إن خطاب أردوغان الثابت نسبيا خلق ثقة عند ناخبيه تمنعهم من المخاطرة والذهاب باتجاه المرشح الآخر، الذي عمل على تغيير خطابه وحملته الانتخابية بعد أيام قليلة من الجولة الأولى.
ويضيف أن الخطاب السياسي لأردوغان وحكومته وفريقه يتسم بالتناسق والانسجام، حيث لم تصدر تصريحات متضاربة منذ بداية الحملة الانتخابية قبل الجولة الأولى وبعدها، وهو ما يساعد في كسب ثقة ناخبيه.
إلا أنه وعلى الرغم من وعوده بتحسين الاقتصاد وإطلاقه مشاريع كبيرة تساعد في دفع عجلة الاقتصاد التركي على المدى الطويل، فقد كان المواطنون يرغبون في مكاسب اقتصادية على المدى القصير، عبر الحد من التضخم.
في المقابل، رصد خضر تناقضا في الخطاب السياسي لمرشح المعارضة كليجدار أوغلو على مستوى بعض القضايا، مثل تعهده بإلغاء اتفاقية إعادة القبول التي وقعتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي، والتي تقضي بإعادة اللاجئين السوريين الواصلين إلى الجزر اليونانية مقابل منح تسهيلات للمواطنين الأتراك فيما يخص تأشيرة الشنغن، بينما أطلق وعودًا بإلغاء تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي للمواطنين الأتراك، وهو ما يتناقض مع وعوده بالانسحاب من الاتفاقية الوحيدة التي تسهل هذه العملية.