تتصاعد الدعوات الدولية لمحاكمة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في المحكمة الجنائية الدولية، لارتكابها جرائم مختلفة ضد سكان قطاع غزة، لكن الضغوط التي تمارسها إسرائيل تحميها من المحاسبة.
وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية في 17 نوفمبر/تشرين الأول الماضي تقدم 5 دول أعضاء بطلب تحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة، هي جنوب أفريقيا وبوليفيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي.
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتلقى فيها المحكمة الجنائية الدولية طلبات للتحقيق في جرائم ارتكبتها إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بعد انضمام فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية في 2015، مما يعني أن الجرائم التي ترتكب في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أصبحت ضمن دائرة اختصاص المحكمة.
لكن المفارقة أنه رغم كل المعلومات لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم إسرائيل التي ارتكبتها خلال حروبها الأخيرة على غزة، لم تدن المحكمة إسرائيل، ولم تصدر أي مذكرة اعتقال بحق أي مسؤول إسرائيلي.
في حين لم يتطلب إصدار الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوى أسبوعين، بعد أن تقدمت 39 دولة أعضاء في المحكمة بطلب التحقيق في الجرائم المرتكبة داخل أوكرانيا.
وهذا ما يجعل كثيرا يتساءلون عن السبب الذي يتيح لإسرائيل الإفلات من العقاب دائما، وعدم محاكمتها بتهم الإبادة وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، الموثقة بالصوت والصورة والشهود، وباعتراف الجناة أحيانا.
ثغرات قانونية
كان انضمام فلسطين لعضوية المحكمة بمثابة أول خطوة رسمية نحو محاكمة إسرائيل عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، رغم أنه قبل عام 2015، قدمت مئات الدعوى القضائية لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل لارتكابها جرائم في فلسطين، فإنها رفضت جميعها.
وكان أحد الأسباب الرئيسية للرفض، عدم الاختصاص، أو أن عدد الضحايا لا يرقى إلى مستوى جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أو جرائم العدوان التي تختص بها المحكمة.
فطبقا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، من يحق له فتح تحقيق في هذا النوع من الجرائم هم الدول الأعضاء، ومجلس الأمن الدولي، والمدعي العام للجنائية الدولية.
لكن شروع المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق بالتهم الموجهة لإسرائيل وقادتها السياسيين والعسكريين لم يفتح بشكل رسمي إلا في 2021، أي أنها استغرقت 6 سنوات في جمع المعلومات وتحليلها قبل فتح التحقيق.
ضغوط إسرائيلية
ويعد عدم انضمام إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعدم اعترافها بالدولة الفلسطينية، ورفضها التعاون مع محققيها الجنائيين، سببا يعرقل فتح تحقيقات.
كما اتهمت إسرائيل المحكمة الجنائية بـ”معاداة السامية” كعادتها في التعامل مع أي انتقاد لممارساتها، وحرضت عدة دول أعضاء بوقف التمويل أو تقليصه عن الجنائية الدولية، وعلى رأسها ألمانيا واليابان.
بينما بررت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة البطء في إصدار مذكرات اتهام، بأن النظام القضائي الإسرائيلي ينص بالفعل على معاقبة المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وهذا يعني أن المحكمة الجنائية الدولية قد لا تكون مختصة بالانتهاكات الإسرائيلية.
محاكمة إسرائيل
وليس من المستبعد أن تنضم دول أخرى أعضاء في الجنائية الدولية إلى الدول الخمس التي قدمت طلب تحقيق بالهجمات الإسرائيلية، على غرار كولومبيا، التي أعلن رئيسها غوستافو بيترو، دعم بلاده دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لرفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.
كما قدم مئات المحامين والهيئات الحقوقية من مختلف أنحاء العالم بقيادة المحامي الفرنسي الشهير جيل دوفير، دعوى قضائية للمدعي العام للجنائية الدولية، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تطالب بفتح تحقيق في جرائم الاحتلال في غزة.
وأعلنت النقابة الثانية للمحامين الأتراك، اعتزامها تقديم شكوى قضائية لدى المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين.
ومن شأن هذه الضغوط الدولية والشعبية التسريع في محاكمة قادة إسرائيل، لكن ذلك لا يزال يصطدم بموقف متشدد من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الأعضاء في المحكمة، رغم موقف أيرلندا وبلجيكا الداعم لمحاسبة تل أبيب.