في منزل طيني قديم بالأحساء، نسجت كسوة الكعبة المشرفة لأول مرة في عهد الدولة السعودية الأولى، قبل أن تنتقل إلى مكة المكرمة، يقع المنزل والمعروف بـ”ببت الشيخ الجليل عيسى بن شمس“ في حي بمدينة المبرز، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وقد نسج ثماني كسوات للكعبة في هذا المنزل، آخرها في عهد المؤسس الملك عبد العزيز عام 1343 هـ.
ويعتبر البيت أحد المعالم في الأحساء الذي شهد نسج كسوة الكعبة المشرفة ولم يتبق من هذا البيت إلا أجزاء بسيطة من الطين وسط أمنيات ان يتم إعادة بنائه من جديد.
محتويات منزل كسوة الكعبة
وقال يعقوب يوسف الطاهر، صاحب المنزل، لـ”اليوم” إن والده كان يروي له أن المنزل كان يضم غرفًا واسعة وجيدة التهوية، وكان يحتوي على طراز معماري إسلامي مميز، وقد شارك في نسج كسوة الكعبة في هذا المنزل أكثر من 30 رجلاً من أسر معروفة بحياكة النسيج في الأحساء.
وأضاف: “تعتبر أول كسوة للكعبة صنعت في هذا البيت، وكان أهل الأحساء أول من صنعوا كسوة بالخز الأحمر، وفي آخر مرة كسيت الكعبة من الأحساء في عهد المؤسس – طيب الله ثراه – الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن مؤسس الدولة السعودية الثالثة في عام 1343 هـ، ثم بعد ذلك انتقلت الكسوة مكة المكرمة لتكسى وتصنع هناك”.
أطلال تحتاج للترميم
وأشار إلى أن المنزل أصبح الآن أطلالًا وهو على مساحة ما يقارب الـ 500 متر، ويأمل أن يتم ترميمه وإعادة بنائه ليظل شاهدًا على تاريخ عريق، لافتًا إلى أنه احتوى على غرف وكل غرفة بمثابة غرفة داخلية ثانية أخرى، وكان جيد التهوية حيث صنع البنائين المهرة في ذلك الوقت تهاوي للغرف، وكان البيت يحوي على طراز معماري إسلامي، وكان مثال للهندسة ومثال للطراز الاسلامي الجميل الذي لازال يبقى في ذاكرتنا.
من جانبه قال المرشد السياحي عيسى العليان، إن منزل كسوة الكعبة بالأحساء يعد أحد المعالم السياحية المهمة في المنطقة التي اندثرت، ويستحق الاهتمام والعناية، مشيرًا إلى أنه أصبح لا يرى أي شيء منه، و”كل أمنياتنا إعادة هذا البناء ليكون معلم من معالم الأحساء”.
فخر الأحساء
وأكد الكاتب والمؤرخ عبدالله المطلق أن من حق أهل الأحساء أن يفخروا بصناعة كسوة الكعبة المشرفة في مدينتهم، وقال: “فقد اختيرت الأحساء لنسج أول كسوة غيلانية فاخرة، خلال عهد الدولة السعودية الأولى، لتوارث حرفيي الأحساء تقاليد متينة وراسخة في حياكة أجود أنواع النسيج”.
وقال المطلق: “إن الإمام سعود الكبير يُعد أول أمير سعودي كسا الكعبة المشرّفة، بعد دخول الحجاز في حوزته عام 1219 هـ / 1779م، مستخدمًا في حياكة هذه الكسوة أجود أنواع الخز الأحمر الثمين، بعد أن انقطع إرسال كسوة الكعبة مع المحمل القادم من مصر، وحينها استشار الإمام من معه من أمراء البلدان، فوقع الاختيار على الأحساء لوجود ما يكفي من الحرفيين المهرة فيها”.
وأضاف أن كسوة الكعبة حِيكت على مدار الأعوام من 1221-1227 هـ، وأن نسج هذه الكسوات جرى في منزلين الأول، بيت عيسى بن شمس، ويقع في حي المقابل في مدينة المبرز، وكتب على بابه “هذا البيت الذي نسجت فيه الكسوة، والثاني بيت أوقفه الشيخ أحمد الملا في مدينة الهفوف، وقد نسجت فيه كسوتان تحت إشراف مجموعة من الحرفيين المهرة”.
وتابع أن حياكة الثوب الشريف استغرقت نحو شهرين أو أكثر، واشترك في ذلك أكثر من 30 رجلاً تقريباً في نسجها، وهم من أسر معروفة بهذا الفن في الأحساء، وبعدها ذهبت مجموعة منهم أثناء تركيب الثوب قبل شهر ذي الحجة من العام نفسه إلى مكة المكرمة“، مشيرًا إلى ان وفد من الحائكين يذهبون إلى مكة المكرمة، لأخذ المقاسات على الكعبة المشرفة، ومن ثم العودة ثانية للأحساء، وكانت الرحلة على الإبل تستغرق نحو 80 يوما ذهابا وإيابا».